مع دخول حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة شهرها الخامس، أصدرت وزارة الثقافة الفلسطينية، الثلاثاء، تقريراً أولياً حول الأضرار على القطاع الثقافي بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي و11 فبراير/ شباط الحالي.
ولفتت الوزارة إلى أن البيانات التي اشتمل عليها التقرير هي بيانات أوليّة، تبعاً لما تمكنت طواقمهما من جمعه وتصنيفه، خاصة مع استمرار الحرب المستعرة على قطاع غزة، وحصار قوات الاحتلال للعديد من المناطق في شمال ووسط وجنوب القطاع، ومنع دخول طواقم الصحافيين أو الباحثين إلى العديد منها.
ورصد التقرير أعداد وأسماء شهداء القطاع الثقافي من كتّاب وفنّانين ومدراء مؤسسات ونشطاء ثقافيّين، والمؤسسات والمراكز الثقافية التي تضررت بشكل كلّي أو جزئي جرّاء القصف الإسرائيلي من الجو، والبحر، والبر، وكذلك المساجد والكنائس التاريخية، والمتاحف، والجداريات، ودور النشر والمطابع، والاستوديوهات وشركات الإنتاج، والمكتبات العامة، والمباني التاريخية، والمواقع التراثية، والمقامات الدينية، والسُبل، إضافة إلى الأثواب والقطع المطرّزة.
وبحسب وزارة الثقافة الفلسطينية، استشهد 46 شهيداً كاتباً وفناناً وناشطاً ثقافياً منذ اندلاع الحرب على غزة، وحتى 11 فبراير الحالي، كان آخرهم: الشاعر والروائي سليم النفار، والكاتب والمؤرخ ناصر جربوع الشهير بـ"ناصر اليافاوي"، والفنان التشكيلي محمد سعد الدين الزمر، والكاتب أحمد الكحلوت، والكاتبة والمؤرخة رهف حنيدق، والمغني صلاح الفيشاوي.
المؤسسات الثقافية
كشف التقرير عن تضرر 33 مركزاً ومؤسسة ثقافية في قطاع غزة بشكل كلّي أو جزئي، جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، من أبرزها: مركز رشاد الشوا الثقافي، ويشتمل على مسرح ومكتبة ومطابع في حي الرمال بمدينة غزة وتأسس عام 1985، والاتحاد العام للمراكز الثقافية وتأسس عام 1997، ويندرج في عضويته 67 مؤسسة ثقافية إضافة إلى أكثر من 120 مؤسسة شريكة. إضافة إلى مؤسسة السنونو للفنون والثقافة، وهي من أكبر المؤسسات الموسيقية في فلسطين عامة، ومركز غزة للثقافة والفنون، وأبرز فعالياته مهرجان السجادة الحمراء السينمائي، ومحترف شبابيك للفنون المعاصرة.
وأتت الحرب أيضاً على قرية الفنون والحرف التي تأسست عام 1998، وكانت عبارة عن معرض فني مستمر صمّم وفق الطراز المعماري الإسلامي التقليدي، بحيث تنقسم القرية إلى غرف أو بيوت للتطريز والخشبيّات والنحاسيّات القديمة والبُسُط (السجّاد يدوي الصنع)، وتتوسطها حديقة من أشجار النخيل والورود. ودمرت قوات الاحتلال القرية بشكل كامل، وقامت باستخدام مرافقها خلال تمركزها في ساحة "الكتيبة" قرب جامعة الأزهر بمدينة غزة، كما عمدت إلى تدمير المقتنيات الثقافية والأعمال الفنية الثمينة بداخلها.
كذلك، دمّر غاليري التقاء للفنون البصرية المعاصرة، ومقر الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين، ومسرح هولست، ومؤسسة أيام المسرح في غزة، وبيت الصحافة ومنتداه الثقافي، ومركز القطان للطفل ويتبع مؤسسة عبد المحسن القطان ومقرها الرئيس في مدينة رام الله، ومعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، وسيرك النجوم، الوحيد من نوعه في قطاع غزة.
تدمير المتاحف والمكتبات
وطاول القصف الإسرائيلي 32 نصباً تذكارياً في الميادين العامة، وعمد الجنود إلى وضع علم الاحتلال في مكانها، كما حدث في النصب التذكارية بالميادين العامة على طول شارع الرشيد، ويبلغ عددها ثمانية. ومن أبرزها فنيّاً: النصب التذكاري للجندي المجهول، وهو من أبرز معالم مدينة غزة، حيث جرفته قوات الاحتلال وحديقته الخاصة، وبني عام 1956 إبّان الإدارة المصرية لقطاع غزة، وسبق أن دمرته قوات الاحتلال عام 1967 إثر احتلالها القطاع، وأعادت السلطة الفلسطينية بناءه عام 2000. كذلك، دمّر الاحتلال تمثال العنقاء في قلب ميدان فلسطين بمدينة غزة، وهو يرمز إلى شعار المدينة، وشيّد عام 1998، وهو من تصميم وتنفيذ النحّات إياد الصبّاح.
ورصد التقرير تدمير العديد من المكتبات العامة، أبرزها: المكتبة العامة لبلدية غزة، وتحوي مئات آلاف الكتب، وبقصفها خسرت الثقافة الفلسطينية "كنوزاً هامة من موروثنا الثقافي، خاصة الكتب الفلسطينية التي صدرت قبل النكبة، ونسخ الصحف والمجلات الفلسطينية التي كانت تصدر في القدس ويافا وغيرهما" قبل احتلال فلسطين عام 1948، ومكتبة مركز العصرية في مخيم جباليا، ومكتبة جواهر لال نهرو في جامعة الأزهر، ومكتبة اليازجي الشهيرة في حي الدرج بمدينة غزة، وتضم آلاف الكتب الثمينة.
كما طاول التدمير دور نشر ومعارض بيع كتب ومطابع، من أبرزها: مطابع الهيئة الخيرية، ومكتبة سمير منصور التي تدمرت في العدوان على غزة عام 2021 وأعيد تعميرها بأفضل مما كانت عليه لتتضرر مرّة أخرى باستهدافها في هذه الحرب المتواصلة، ومعرض الشروق الدائم للكتاب، ودار الكلمة للنشر، ومكتبة النهضة، ومكتبة النعيم، وغيرها.
ورصدت وزارة الثقافة الفلسطينية في تقريرها الأحدث تضرر 12 متحفاً في قطاع غزة، بما فيها من مقتنيات أثرية وتاريخية ومخطوطات نادرة تعود جميعها إلى عصور موغلة في القدم، وبينها ما هو كنعاني، كما عبّرت الوزارة عن خشيتها أن تكون العديد من مقتنيات هذه المتاحف قد تعرضت للسرقة، حيث درجت العادة على سرقة الاحتلال للمقتنيات الأثرية والتاريخية الفلسطينية وتحويلها إلى المتاحف الإسرائيلية، أو بيعها، مطالبة بتدخل دولي عاجل للكشف عن عمليات سرقة الآثار والمقتنيات التي يقوم بها جيش الاحتلال في قطاع غزة.
ومن بين هذه المتاحف: متحف رفح، ومتحف القرارة الثقافي، ومتحف خانيونس، ومتحف العقاد، وفندق المتحف، ومتحف شهوان، ومتحف دير البلح، ومتحف الثوب، ومتحف قصر الباشا، ومتحف إبراهيم أبو شعر للتراث البدوي، ومتحف البادية، علاوةً على الأرشيف المركزي وما يضمه من مواد متحفية، خاصة على صعيد الوثائق التاريخية التي يتجاوز عمر بعضها القرن، وتسلط الضوء على ذاكرة غزة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ووثّق التقرير تدمير 27 جدارية في أماكن مختلفة في القطاع، وتخريبها وتشويهها من قبل جنود الاحتلال، كما حصل مع جدارية "لنا الأرض" للفنان محمد الحاج، في مدرسة الكرمل الثانوية، قرب مستشفى الشفاء، ومع الجداريّات الموجودة على شاطئ الشيخ عجلين.
آثار غزة لم تسلم من العدوان
هدمت طائرات جيش الاحتلال وطائراته الكثير من المواقع الأثرية التي تتوزع على الحقب الكنعانية، والفينيقية، والرومانية، والبيزنطية، والإسلامية، ومن أبرزها: ميناء الأنثيدون، وكنيسة جباليا البيزنطية، والمقبرة البيزنطية، وموقع تل أم عامر (دير القديس هيلاريون)، وتل السكن، وتل المنطار التاريخي، ومقام الخضر، وتل العجول، وتل رفح الأثري (تل زعرب).
أما أبرز المساجد والكنائس التاريخية التي تدمرت بشكل كلي أو جزئي، فهي: المسجد العمري الكبير، وهو المبنى الأقدم في قطاع غزة، ويقدر عمره بألف وأربعمئة عام، وكنيسة القديس برفيريوس التي بنيت عام 407، وشهدت مجزرة مروعة في الحرب المتواصلة منذ 7 أكتوبر الماضي، حيث أدى قصفها إلى استشهاد 18 فلسطينياً، ومسجد السيد هاشم، وفيه قبر جد الرسول هاشم بن عبد مناف، وجامع الشيخ عبد الله وهو من العهد المملوكي، وجامع ابن عثمان، ومسجد الشيخ عثمان الذي بني أيام حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وغيرها. كذلك، استهدفت العديد من المقامات أشهرها: مقام خليل الرحمن في عبسان، ومقام النبي يوسف في بني سهيلة، ومقام الخضر في بيت لحم.
ويقدر العدد الأولي للبيوت والمباني التاريخية والأثرية التي تضررت بـ 195 توزّعت بين البيوت والقلاع والقصور، بعضها شكل على مدار قرن معلماً من معالم غزة القطاع والمدينة، مثل بيت السقا، ومدرسة الكمالية، وبيت ترزي، وسيباط العلمي، حمام السُمرة التاريخي، وقلعة برقوق، وقصر الباشا التاريخي، وسوق الزاوية التاريخي، ومبنى بلدية غزة التاريخي، إضافةً إلى استهداف شركات الإنتاج الإعلامي والفني، والمقتنيات الشخصية، والمراسم الفردية، والمكتبات الشخصية، والمقتنيات الفنية.
وطاول القصف مجموعة كبيرة من الأثواب التراثية، وجد جزء منها في متحف رفح وفندق المتحف، وبلغ مجموع ما فقد من قطع تراثية 2100 ثوب.