يبقى لأفلام الويسترن (Western movies) حضور مميّز على الشاشات والمنصّات التي تتسابق على إنتاجها أو عرضها. حين ندخل إلى منصة OSN، مثلاً، يلفت نظرنا هناك فيلم The Hateful Eight، الذي صدر عام 2015 بتوقيع المخرج الشهير كوينتن تارانتينو. وعندما نتصفّح "نتفليكس"، لا بد أن تستوقفنا رائعة الأخوين كوين، The Ballad of Buster Scruggs، التي صدرت في عام 2018.
ليست مبالغة إذا قلنا إنّ الفيلم الأخير أحد أفضل أفلام هذه الفئة التي صدرت في السنوات الأخيرة. عمل مُكتمل العناصر؛ تمثيلاً وإخراجاً وسينماتوغرافياً. ست قصص، أو لوحات، منفصلة، نمضي معها ومع ما تقترحه من موضوع؛ الموت في ذلك الغرب، بقالب كوميدي طريف.
من إنتاجات "نتفليكس" اللافتة، أيضاً، ضمن فئة الويسترن، فيلم صدر حديثاً، هو The Power Of The Dog، وها هو ينافس بشراسة على عدة جوائز أوسكار؛ إذ ترشّح لـ12 واحدة، تتضمّن أفضل فيلم، وأفضل ممثل، وأفضل إخراج، وأفضل سينماتوغرافي... العمل للمخرجة النيوزيلندية جين كامبيون، ومن بطولة الممثل الإنكليزي بيندكت كامبرباتش.
يلعب الحظ، إلى حد ما، دوراً مع منصّة "نتفليكس"؛ إذ تحظى أحياناً قليلة بتعاونات مع مخرجين مهمّين، كما في حالة كامبيون، أو الأخوين كوين، لتعرض لنا أفلاماً مميزة. وكذلك الأمر بالنسبة للدراما أيضاً؛ إذ أنتجت المنصّة، في عام 2017، مسلسلاً قصيراً، يحمل عنوان Godless، بإمضاء المخرج سكوت فرانك. سلسلة مشوّقة، تصوّر العصابات وحروبها في الغرب الأميركي، من دون اللجوء إلى ممثلين شهيرين واستعراضات فارغة.
لكن، من جهة أخرى، كثيراً ما يخيب حظّنا، نحن المشاهدين، حين تتمادى المنصّة في تعاقدات تجارية بحتة، لا تنتج عنها سوى أعمال درامية أو أفلام ضعيفة، نتابعها آملين بأن نجد شيئاً مهمّاً أو لافتاً في هذه الأفلام، لنكتشف أنّنا تورّطنا في عمل ضعيف، يتألّف من طبقات من الكليشيهات والمشاهد المتوقعة، وتلك الحوارات المبتذلة التي يعتقد كاتبها أنّها عميقة، وتنطوي على حكمة ما، وما هي إلا فذلكات.
أبرز مثال على هذا، هو الفيلم الذي صدر قبل شهرين، من إنتاج "نتفليكس"، بعنوان The Harder They Fall، أو كما اختارت له المنصّة بالعربية اسم "الانتقام المرّ". ولعلّنا نبدأ من هنا، أي اسم الفيلم بالعربية؛ إذ يذكّرنا بتلك المسلسلات التركية أو المكسيكية المُدبلجة، التي لا تنتهي حلقاتها، وهي تدور في فلك رومانسي مبتذل، قائم على ثرثرة وقصص حب استيهامية لها قوالبها الجاهزة.
فيلم The Harder They Fall، من إخراج المغني البريطاني جيميس سامويل (Jeymes Samuel)، المعروف بـThe Bullitts. وصفة العمل جاهزة؛ ويسترن، نعم، لكن بأبطال من السود. والممثلون؟ إدريس إلبا طبعاً؛ إذ يضمن الأخير جمهوراً كبيراً لمشاهدة الفيلم. كيف لا؟ وهو أحد "أوسم الرجال في العالم"، كما صنّفته مجلّات كثيرة. ولا بأس، أيضاً، من حضور لاكيث ستانفيلد؛ فالشاب له شعبية، خصوصاً في أفلام الآكشن.
يبدأ الفيلم بمشهد مثير للفضول؛ رجل يدخل إلى بيت تسكنه عائلة تتألّف من أب وأم وطفل. تجلس هذه العائلة إلى مائدة الطعام، وتصلّي قبل بدئها بتناوله، لنُفاجأ برجل غامض يدخل عليهم. وبدمٍ بارد، يطلق النار على الأم والأب؛ فيرديهما. ويرسم على جبهة الطفل صليباً بشفرة حلاقة، ثمّ يغادر. لماذا قُتل الوالدان أمام طفلهما؟ هذا السؤال الذي تبقى الإجابة عنه غامضة، وسيكون علينا الانتظار كثيراً حتى نعرفها.
لكن، من جهة أخرى، لا نحتاج إلى أن ننتظر حتى نعرف ما الذي سيحصل بعد ذلك المشهد، فهو متوقّع منذ البداية؛ إذ سيكبر الطفل الذي انفجر بكاءً لحظة مقتل والديه، وسيصبح شابّاً وزعيماً لإحدى عصابات قطّاع الطرق، ويمضي في أثر رافاس بَك، كي يقتله. وبهذا، سيكون علينا أن نمضي، في ساعتين وعشرين دقيقة، مع كثير من المطاردات، وبعض الطرائف، وجرعة معقولة من القتل واستعراض المسدسات والتفنّن في إطلاق النار، كي نبلغ نهاية الفيلم.
وخلال طريقنا إلى نهايته، لا نستطيع أن نتوقّع مصير كثير من الشخصيات فحسب، بل أن نعرفه بيقين، لأن الكتابة ضعيفة؛ فلم تكتفِ بالتلميحات، بل بتكرار العبارات التي ينطق بها الممثلون في مشاهد كثيرة، والتي تشير إلى ما سينتهون إليه. مثل ذلك الشاب الذي ظلّ طوال الفيلم يستعرض سرعته في إطلاق النار، ويقول لكل من يصادفه، متباهياً، إنّ أحداً لا يسبقه في سحب مسدّسه من جنبه. كان يكفي أن يقول هذا مرّة واحدة، من دون أن يواظب على تذكيرنا بهذا الأمر وتلقيننا إياه كل بضع دقائق.
هل يحتاج هذا كله إلى ساعتين وعشرين دقيقة؟ غالباً، لا، كان يمكن اختصار الفيلم في تلك الفئة التي تُصنّفها منصّات، مثل "نتفليكس"، تحت مُسمّى "أفلام التسعين دقيقة". في ساعة ونصف، حقيقةً، كان يمكن أن يسرد الفيلم قصّته، من دون أن ينقصه أي شيء.
إلى جانب هذه الإطالة التي ما من داعٍ لها، يلفتنا الفيلم بصرياً؛ إذ إن بناء أماكن التصوير، ولباس الممثلين وأزياءهم، إلى جانب الكوادر الغنية بالألوان فيه، كلها عوامل كان يُمكن أن تُحسب للعمل، لولا أنّنا قد شاهدناها في أفلام سابقة، مثل The Hateful Eight. وهنا لا نتحدّث عن سرقة طبعاً، ولا تأثّر، وإنّما تقليد لتلك المناخات التي أمدّ بها تارانتينو فيلمه.
وعلى ذكر تارانتينو، يمكننا القول إن فيلم The Harder They Fall، بالمُجمل، يقلّد أفلام تارانتينو، سواء بجرعة العنف الفائضة التي تحتويها، أو من ناحية بصرية، لأن العمل يذكرنا أيضاً بفيلم Django Unchained، الذي صدر في عام 2012