حذرت دراسة جديدة من أن أنواعاً مختلفة من الجسيمات الدقيقة يمكنها أن تؤثر بشدة في صحة الدماغ البشري، وربطت بين التعرض لتلوث الهواء على شكل جسيمات دقيقة (PM2.5) بزيادة خطر الإصابة بالخرف ومرض ألزهايمر.
يُعَدّ الخرف حالياً السبب الرئيسي السابع للوفاة حول العالم، وأحد الأسباب الرئيسية للإعاقة بين كبار السن، إذ قدرت التكاليف العالمية له عام 2019 بأكثر من تريليون دولار أميركي. على الرغم من أن الخرف يصيب كبار السن بشكل رئيسي، فإنه ليس نتيجة حتمية للشيخوخة. وحتّى هذه اللحظة تحاول الأبحاث العلمية دراسة سبب هذا المرض بدقة، إذا ما كان وراثياً أو مكتسباً. كذلك فإنَّ المراكز العلمية تعمل بجدّ لتحديد الأسباب الخارجية المساهمة في تطوُّر هذا المرض.
في الدراسة التي نشرت يوم 26 ديسمبر/ كانون الأوّل في دورية PNAS، أجرى المؤلفون تجارب على نحو 19 مليون شخص في الولايات المتحدة، في الفترة من 2000 إلى 2017، استناداً إلى سجلات الرعاية الطبية وتلوث الهواء عالي الدقة. ارتبطت زيادة معدلات الخرف ومرض ألزهايمر مع زيادة التعرض للعديد من مكونات الجسيمات الدقيقة، بما في ذلك الكربون الأسود والمواد العضوية والنترات والكبريتات والأمونيوم وغبار التربة.
أظهرت الكبريتات والكربون الأسود أقوى ارتباط بمخاطر الإصابة بالخرف ومخاطر الإصابة بألزهايمر، تليها المادة العضوية والأمونيوم، فيما كان للنترات وغبار التربة تأثير منخفض نسبياً. وأظهرت النتائج أن لجميع مكونات الجسيمات الدقيقة الرئيسية علاقات بمخاطر الإصابة بالخرف وألزهايمر، ما يشير إلى عدم وجود مستوى آمن لتلوث الهواء لصحة الدماغ. وفقاً للمؤلفين، يمكن أن تساعد النتائج في تطوير استراتيجيات التدخل التي تستهدف مصادر تلوث محددة.
قالت المؤلفة الرئيسية للدراسة ليوهوا شي، وهي الأستاذة المساعدة في كلية رولين للصحة العامة في جامعة إيموري: "مع التقدم الطبي وتوفير العلاجات وسبل الرعاية الصحية، أصبح الناس يعيشون لفترات أطول من الماضي، ثم أصبحت حالات مثل الخرف أكثر شيوعاً. لذا، إن اكتشاف وفهم عوامل الخطر التي يمكن الوقاية منها أمر أساسي للحد من زيادة هذا المرض". وأشارت، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن تقريراً صادراً عن منظمة الصحة العالمية أظهر أن أكثر من 90 في المائة من سكان العالم يعيشون في مناطق فيها مستويات أعلى من المستويات الموصى بها من تلوث الهواء، أي إن التلوث مشكلة عالمية.
تقدم نتائج الدراسة الحالية المزيد من الأدلة لفرض اللوائح الخاصة بجودة الهواء وتسريع الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقات المستدامة.
وحلّل الباحثون معدلات التعرض لتلوث الهواء لأولئك الذين يعانون من الخرف والذين لا يعانون منه، واكتشفوا أن أولئك الذين لا يعانون من الخرف لديهم متوسط تعرض يومي أقل لجسيمات ملوثات الهواء الدقيقة، وهذا ما لفتهم إلى ضرورة أخذ عامل التلوث بالاعتبار.
تعتبر وكالة التلوث البيئي الأميركية (EPA) أن متوسط التعرض السنوي الآمن لتلوث الهواء يصل إلى 12 ميكروجرام/ م3. توقعت دراسة سابقة أن يتضاعف عدد البالغين الذين تزيد أعمارهم على 40 عاماً الذين يعانون من مرض الخرف في أنحاء العالم كافة إلى ثلاثة أضعاف عدد الإصابات الحالية الذي قُدِّر بـ57 مليوناً في 2019. ومن المتوقع أن يرتفع الرقم ليصل إلى 153 مليوناً عام 2050.
وأشارت الباحثة إلى أن رداءة جودة الهواء تعتبر مشكلة صحية عامة كبيرة، إذ هناك علاقة واضحة بين أنواع معينة من تلوث الهواء وخطر الإصابة بالخرف، كما أظهرت الدراسة. وتفتقر خطط جودة الهواء إلى الطموح لتقليل التلوث بالجسيمات الدقيقة في أسرع وقت ممكن. لهذا السبب، يجب على الحكومات تنفيذ أهداف آمنة وقابلة للتحقّق، بما يتماشى مع إرشادات منظمة الصحة العالمية، وهي 10 ميكروجرام/ متر مكعب من الجسيمات الدقيقة (PM2.5) بحلول عام 2030.