لم تبدأ الانتهاكات الإسرائيلية الواسعة ضد الصحافيين الفلسطينيين مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العاشر من مايو/ أيار الحالي، وإنما زادت حِدتها، وتفاقمت بشكل ملحوظ لتطاول عشرات المقار والمكاتب الإعلامية خلال وقت قصير.
فقد شهد الواقع الإعلامي الفلسطيني خلال 11 يوماً، هي مُدة العدوان الإسرائيلي العنيف، مجزرة إسرائيلية بحق الصحافيين ومؤسساتهم الإعلامية التي تحوّل 33 منها إلى حُطام، إلى جانب استهداف الصحافي يوسف أبو حسين داخل منزله، ما أدى إلى استشهاده، علاوةً على إصابة وتضرر نحو 70 صحافياً، في ظل منع طواقم الصحافة الأجنبية، ومُمثلي وسائل الإعلام الدولية من الدخول إلى قطاع غزة خلال فترة العدوان.
شملت الانتهاكات الإسرائيلية مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، عبر تدمير الأبراج والعمارات السكنية التي تضم وسائل الإعلام المحلية والدولية والعالمية، من دون السماح لهم بإخلاء معداتهم وكاميراتهم وأجهزة البث والتصوير والإرسال التي دُفنت بمجملها تحت الردم.
شملت الانتهاكات الإسرائيلية استهداف المقار الإعلامية والصحافيين مباشرة
فجر اليوم الثالث من العدوان الإسرائيلي، استهدفت الطائرات الحربية "بُرج الجوهرة"، وسط مدينة غزة، الذي يضم وكالة APA المحلية، و"الوكالة الوطنية للإعلام"، وصحيفة "فلسطين"، وقناة "الاتجاه" العراقية، و"التلفزيون العربي"، وقناة "النجباء"، وقناة "المملكة"، ووكالة "سبق 24"، و"منتدى الإعلاميين الفلسطينيين"، و"المركز الفلسطيني للحوار الديمقراطي والتنمية السياسية"، و"قناة السورية"، فيما عاودت الطائرات في اليوم نفسه استهداف "برج الشروق" المكون من 15 طابقاً، ويضم عددا من المؤسسات الإعلامية، من بينها مقر إذاعة وفضائية "الأقصى"، وقناة "فلسطين اليوم"، إذ سوّت أربعة صواريخ حربية المبنى بالأرض.
وفي اليوم السادس من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة استهدفت الطائرات الحربية "برج الجلاء"، وسط مدينة غزة، الذي يضم مقر شبكة "الجزيرة" الإعلامية، ومقر وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، وعدداً من المكاتب الصحافية والشقق السكنية ومكاتب المحامين والمحاسبين.
نجت خلال فترة العدوان على قطاع غزة مجموعة من الصحافيين من استهداف مُباشر شمال قطاع غزة، إلا أن مجموعة أخرى منهم لم تنجُ، حين استهدف مبنى سكني بالقرب منهم في شارع الصناعة، جنوبي مدينة غزة، ما أدى إلى إصابة أربعة صحافيين بإصابات مختلفة. وتضرر 22 منزلاً لصحافيين، وتدمرت 5 سيارات مملوكة لصحافيين، أو تستخدمها وكالات أنباء خلال التغطية الإعلامية للعدوان، على الرغم من وضع إشارات واضحة تدلل على أنها تستخدم من قبل صحافيين، ورصد قيام قوات الاحتلال بأربع هجمات سيبرانية، استهدفت إذاعات محلية، ومواقع إخبارية إلكترونية في غزة.
استهدف الاحتلال الإسرائيلي منزل الصحافي الفلسطيني يوسف أبو حسين مما أدى إلى استشهاده
صَعّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي من ممارساتها القمعية وانتهاكاتها بحق الصحافيين عبر الاستهداف المُباشر لمنزل الصحافي الفلسطيني يوسف أبو حسين الذي يعمل مذيعاً في إذاعة "الأقصى" المحلية، في حي الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة، فجر 19 مايو/ أيار الحالي، وهو اليوم التاسع من العدوان، ما أدى إلى استشهاده وتدمير منزله.
وخَلّف العدوان الإسرائيلي على مدار 11 يوماً تدمير 33 مؤسسة صحافية، إلى جانب إصابات وأضرار لحقت بأكثر من 70 صحافياً، وفق نقابة الصحافيين الفلسطينيين التي قالت إن الاحتلال الإسرائيلي استهداف الصحافيين في بيوتهم الآمِنة، وخلال تغطيتهم الميدانية.
ولم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية بحق الصحافيين عند الاستهداف المُباشر أو التدمير وتهديد السلامة الشخصية، إذ تزامن مع تلك الممارسات قيام شركة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وتطبيق "واتساب" الذي تملكه الشركة نفسها بحظر وحجب حسابات الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة والقدس وعدد من المُدن الفلسطينية، أو حتى خارج فلسطين. ويستهدف الحظر الذي يطاول الصحافيين والناشطين حجب الرواية الفلسطينية عن العالم، في ظل محاولاتهم كشف وفضح مدى الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين العُزل، إلى جانب تصوير الاستهداف المُباشر للعمارات السكنية فوق رؤوس ساكنيها، بما فيها من أطفال ونساء ومسنين، من دون سابق إنذار.
العدوان الإسرائيلي ساندته إدارات منصات التواصل الاجتماعي التي استهدفت حسابات صحافيين وناشطين فلسطينيين
ولا تتوقف تلك المواقع عن حظر أو التهديد بحذف الحساب كلياً في حال نشر أخبار أو منشورات خاصة تتضمن كلمات تتعلق بالمقاومة أو الفصائل الفلسطينية، فيما يحاول الصحافيون الفلسطينيون تجاوز ذلك الحظر بإنشاء حسابات بديلة، والتحايل على خوارزميات تلك المواقع والمنصات، عبر تقطيع الكلمات، أو استبدالها بكلمات تحمل المعنى نفسه، إلا أن تلك المحاولات لا تنجح في كثير من الأحيان، إذ تتم مُعاودة الحظر لعشرات المرات.
تسعى تلك المواقع إلى مُساندة المحتوى الإسرائيلي، عبر محاولة تحييد الرواية الفلسطينية، خاصة في ظل الحروب وأوقات التصعيد، إذ فقد عدد من الصحافيين خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة حساباتهم وأرقامهم التي كانوا من خلالها يحاولون تصوير ما يجري بحق المدنيين الفلسطينيين.
يوضح رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف أن الاحتلال الإسرائيلي جعل من كل كائن حي هدفاً مشروعاً بالنسبة إليه، فيما كان الصحافيون الفلسطينيون في مقدمة الجهات المُستهدفة، إذ قام في اللحظات الأولى باستهداف الأبراج والمباني التي تضم التجمعات الإعلامية، ما أسفر عن أضرار بشكل كلي، فيما تُوِجت انتهاكات الاحتلال باستشهاد الصحافي يوسف أبو حسين، وإصابة 12 صحافياً مباشرة.
ويشير معروف، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الممارسات الإسرائيلية الممنهجة لم تقتصر على وسائل الإعلام المحلية، وإنما طاولت المؤسسات العربية والدولية، في توجه واضح لمحاربة الصور التي تبين استهداف الاحتلال للمدنيين الفلسطينيين، إلى جانب منع دخول الصحافيين الأجانب، في رغبة من الاحتلال بعدم وجود شاهد على جرائمه، مضيفاً "لم تتوقف الممارسات الإسرائيلية في يوم من الأيام بحق الصحافيين، إلا أن حدتها زادت وبشكل ملحوظ في العدوان الأخير".
ويبين المسؤول الحكومي أن سياسة عدد من مواقع التواصل الاجتماعي تتقاطع مع الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة المحتوى الفلسطيني، إذ ترضخ بشكل كامل لطلبات الاحتلال في محاربة المحتوى والرواية الفلسطينية وتقييد الوصول، عبر حظر العشرات من الحسابات التي تنشط بفضح الممارسات الإسرائيلية.