استمع إلى الملخص
- الإغلاق الإسرائيلي للمعابر ونفاد الوقود يعقدان الوضع، حيث يواجه الصحافيون صعوبة في التنقل وتغطية الأحداث، مع العمل في ظروف غير إنسانية بسبب التهجير القسري.
- افتُتح مركز التضامن الإعلامي في دير البلح لتوفير بيئة عمل آمنة، لكنه لا يعوض عن الخسائر الكبيرة، ويواصل الصحافيون عملهم لنقل الرواية الفلسطينية.
يواجه الصحافيون في غزة العديد من التحديات في ظل الاستهداف الإسرائيلي المباشر لهم منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بينها النقص الشديد في مختلف الخدمات واللوجستيات التي من شأنها مساعدتهم في إتمام تغطياتهم وأعمالهم الميدانية والمتابعة لمجريات الأحداث. وتتزايد الأزمات التي تعصف بالصحافيين الفلسطينيين مع مرور أكثر من عام على حرب الإبادة التي طاولت مختلف مقومات الحياة، بفعل الانقطاع التام في التيار الكهربائي والضعف الشديد في شبكات الإنترنت والاتصالات، الأمر الذي يعوق عملهم، ويؤخر تسليم المواد الصحافية، ما يتسبب في العديد من الأحيان بعدم صلاحيتها للنشر بفعل انقضاء الموعد المحدد.
وتسبب الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر منذ بداية العدوان على غزة، وتشديد ذلك المنع بعد السيطرة على معبر رفح البري قبل ستة أشهر، بنفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية التي تعتبر البديل الأول لتعويض انقطاع التيار الكهربائي وتشغيل الأجهزة والمعدات، إلى جانب شل القدرة على تحريك العربات نحو الأماكن المستهدفة لإتمام عملية التغطية الميدانية.
الصحافيون في غزة: احتياجات لا تنتهي
تتراكم الأزمات والنقص في احتياجات الصحافيين مع دخول العدوان الإسرائيلي شهره الثالث عشر، بفعل الحصار المفروض على دخول الأجهزة والكاميرات والمعدات اللازمة، في حين تعاني الأجهزة المتوفرة من الضعف وعدم القدرة على المواكبة، كما يزيد الشحن الضعيف من إمكانية تعرضها للتلف والتوقف عن العمل.
وإلى جانب مختلف العوائق المهنية والتقنية، يواجه الصحافيين التحدي الأكبر، المتمثل في نزوحهم على المستويين الشخصي والعملي، جراء التهجير الإسرائيلي القسري للفلسطينيين من أماكن سكنهم وعملهم نحو أماكن محددة يدعي بأنها "مناطق إنسانية"، إلا أنها تفتقر لأدنى مقومات الحياة الآدمية ولأبسط مقومات التغطية الصحافية.
ويستفيد عدد من الصحافيين والناشطين من خدمات مركز التضامن الإعلامي الذي افتتحته نقابة الصحافيين الفلسطينيين في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة بالتزامن مع ذكرى مرور عام على العدوان الإسرائيلي لتوفير مساحة عمل آمنة تتضمن توفير شبكتي الكهرباء والإنترنت لساعات محددة خلال النهار.
وتقول الصحافية خديجة مطر إنها تعمل في مجال الإعلام المكتوب وإنتاج الأفلام القصيرة، وتركز في عملها على القضايا الخاصة بالمرأة الفلسطينية وما تعانيه خلال العدوان الإسرائيلي من مختلف النواحي، كذلك تحاول إظهار العوائق التي تفرض عليها في ظل حالة النزوح المتواصل والمتكرر.
وسهل افتتاح مركز التضامن على مطر عملها، واستفادت من خدماته للقيام بالعديد من المهام التي كانت تنجز داخل المقرات الإعلامية التي تعرضت للتدمير إلى جانب تدمير احتياجات الصحافيين وأساسيات عملهم منذ بداية الحرب، وذلك من خلال توفير المتطلبات الأساسية كالإنترنت والكهرباء، ومساحة مخصصة للعمل بدلاً من الجلوس في الطرق والممرات أو على الرصيف قي بعض الأحيان لإنجاز التقارير".
وتلفت مطر، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة لمختلف شرائح المجتمع في قطاع غزة، ومن بينهم الصحافيون، تحول دون قدرتهم على توفير الطاقة الشمسية بفعل ارتفاع تكلفتها، مبينة أن المركز ساهم في استثناء أزمتي الكهرباء والإنترنت، كما فتح أفقاً جديدة من خلال توفير الدورات التدريبية والمشاريع ذات العلاقة بإنتاج الأفلام، الى جانب العديد من الأنشطة والفعاليات التي تنظم داخل المركز نفسه.
فقدان المقرات والأداوت
يعاني الصحافيون في غزة إذاً من مشاكل عدة. ويبين الصحافي أحمد فياض مدى الصعوبات التي تواجه العمل الإعلامي منذ بدء العدوان الإسرائيلي المختلف عن أي حروب أو جولات عسكرية سابقة، والمتمثلة في الاستهداف المباشر وفقدان المقرات والأدوات والمعدات والإمكانات الخاصة بالتغطية، الأمر الذي يلقي بظلاله السلبية على طبيعة سير التغطية الميدانية. ويلفت فياض، لـ"العربي الجديد"، إلى أهمية القيام بخطوات من شأنها إفادة الصحافيين في مختلف أماكنهم وعلى مدار الساعة، حيث "لا تقتصر التغطية الميدانية على ساعات محددة، وإنما تفرض الأحداث ذاتها على مدار الوقت".
ويقول مشرف مركز التضامن أمين سر نقابة الصحافيين الفلسطينيين عاهد فروانة، لـ"العربي الجديد"، إن فكرة مركز التضامن الإعلامي التي أطلقتها النقابة جاءت نتيجة الحاجة الكبيرة للصحافيين بعد تدمير ما يزيد عن 80 مؤسسة إعلامية خلال الحرب، حيث لم يعد أمام الصحافيين أي مقرات للعمل، فيما اقتصرت تغطيتهم على العمل من البيت أو مركز الإيواء أو الخيام أو المستشفيات.
ويبين فروانة أنّ المركز يقدم خدماته مجاناً وقد تم إنشاؤه في مواصي مدينة خانيونس، وأقيم مركز آخر في دير البلح، ومن المقرر التجهيز لإطلاق مركز ثالث في مدينة غزة. ويشير إلى أن إنشاء المركز استغرق ثلاثة أشهر، حيث تم استئجار الأرض منذ شهر يوليو/ تموز الماضي وتسويتها وإنشاء البراكس والمرافق التابعة له، وتجهيزها بالأثاث إلى جانب توفير الطاقة الشمسية وشبكة الكهرباء، مبيناً أن المركز يستقبل الصحافيين ووكالات الأنباء والصحف ويتيح إمكانية البث المباشر، كما أنه يستقبل طلبة وأساتذة الإعلام لمواصلة المحاضرات وتقديم الاختبارات ومناقشة رسائل الماجستير، علاوة على تنظيم الدورات التدريبية في مختلف مجالات العمل الإعلامي.
ويؤكد فروانة أن الاحتلال الإسرائيلي لن يفلح عبر ملاحقة الصحافيين وتهجيرهم قسراً وتدمير مؤسساتهم الإعلامية في إسكات صوتهم وتغييب نقل الرواية الفلسطينية وفضح جرائمه بحق المدنيين. ويقول: "نحرص على توفير البيئة المناسبة لجميع الزملاء للقيام بتأدية رسالتهم الإعلامية على أكمل وجه".
يذكر أن القوات الإسرائيلية تستهدف الصحافيين مباشرة منذ بدء حرب الإبادة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين في غزة، وقد قتلت إلى الآن 177 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في القطاع. وكان المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة قد صرّح لـ"العربي الجديد"، بأن 396 صحافياً وعاملاً في القطاع الإعلامي تعرضوا للإصابة منذ بداية حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني التي دخلت عامها الثاني على التوالي، إضافة إلى اعتقال 36 صحافياً وإعلامياً في سجونه.
في السياق نفسه، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يمنع مراسلي المؤسسات الإعلامية الأجنبية من الدخول إلى القطاع. وقد طالبت نحو ثلاثين مؤسسة وجمعية صحافية، تقع معظمها في فرنسا، وأبرزها منظمة مراسلون بلا حدود، مجدداً بإعطائها إمكانية "الدخول إلى غزة" في مقال نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، خلال أكتوبر الحالي. وطالب الموقعون في مقدمة المقال الذي نشر باللغات الفرنسية والعربية والعبرية "الهيئات الدولية وقادة كل الدول بالدعوة إلى فتح القطاع أمام الصحافيين لكي يمارسوا مهنتهم: الإعلام". وأضافوا: "نطلب من السلطات الإسرائيلية حماية أمن الصحافيين الذين يحاولون حالياً العمل في غزة، وفتح هذا القطاع أمام الصحافة الدولية لتتمكن من أداء مهماتها؛ الإعلام من دون قيود وأن تكون شاهداً على مجريات هذه الحرب، التي تعد واحدة من أكثر الحروب دموية وعنفاً في بداية القرن الحادي والعشرين". وكانت وسائل الإعلام الألمانية الرئيسية قد طالبت في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي بإتاحة الدخول إلى قطاع غزة، معتبرةً أن "الاستبعاد شبه الكامل لوسائل الإعلام الدولية غير مسبوق في التاريخ الحديث".