مع تدمير العدوان الإسرائيلي لأكثر من 300 مسجد، هناك شعور بالفراغ في جميع أنحاء قطاع غزة مع غياب الأذان الذي كان ينطلق من المآذن. وفي سلسلة من الضربات خلال قصفه المستمر لقطاع غزة، دمر العدوان الإسرائيلي عشرات المساجد، بما في ذلك العمري، الشهير بأهميته التاريخية والأثرية.
"لم نعد نسمع الآذان"
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، دمر عدوان الاحتلال الإسرائيلي، بشكل كلي أو جزئي، أكثر من 300 مسجد وثلاث كنائس. ونتيجةً لذلك، تعاني الأحياء المتضررة الآن من الفراغ أثناء أوقات الصلاة، إذ تفتقد إلى الأذان، الذي كان صداه يتردد في جميع أنحاء المدينة.
يقول خالد أبو جامع (25 عاماً)، من سكان مدينة خانيونس جنوبي البلاد: "لم نعد نسمع الأذان في حيّنا بسبب الدمار الكامل للمنطقة الشرقية في المدينة بما فيها المساجد". ويضيف: "السكان هنا يتابعون الآن الأذان عبر هواتفهم. هذه الحرب لا تشبه أي شيء شهدناه من قبل. لقد استُهدفت المساجد، رمز عقيدتنا، بشكل عشوائي".
المسجد العمري... تاريخ استهدفه العدوان
أدانت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية هدم المسجد العمري. وقالت إن هذا الفعل ينتهك المعاهدات الدولية، بما في ذلك اتفاقية لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، واتفاقيات "يونسكو" بشأن حماية الممتلكات الثقافية. هذه الأخيرة لم يتوانَ الاحتلال عن تدميرها، سعياً منه إلى محو الهوية والتاريخ الثقافيين للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وأشارت الوزارة إلى أن جذور المسجد التاريخية تعود إلى دير بيزنطي في القرن الخامس الميلادي. واعتبرت التدمير بمثابة "جريمة ضد التراث الثقافي للشعب الفلسطيني". وأُنشئ المسجد العمري الكبير في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. كان في السابق معبداً رومانياً، ثم صار كنيسة، ثم أصبح أكبر مسجد بعد الفتح الإسلامي.
ويقع المسجد في البلدة القديمة في غزة، بالقرب من ساحة فلسطين، ويمتد على مساحة 4100 متر مربع، مع فناء بمساحة 1190 متر مربع يتسع لأكثر من 3 آلاف مصلٍّ.
وبالتأمل في الذكريات المرتبطة بالمسجد العمري، أكد أبو جامع على دوره المركزي في الحياة اليومية. ويقول في تصريحات لموقع "ميدل إيست آي": "لدينا ذكريات جميلة مع المسجد. كنا نصلي هناك يومياً، ونؤدي صلوات رمضان والعيد، ونقرأ القرآن، ونلتقي كأصدقاء".
ويقول ابن مدينة غزة، سعيد لباد، متأسفاً: "لم أعتقد قط أن هذه الحرب ستدمر المساجد"، مضيفاً: "حضرت كل صلاة هناك. إنه مكان قديم عزيز يحبه أطفالي. وأتساءل لماذا دُمّر، هل يشكل المسجد تهديداً للمحتلين؟".
العدوان الإسرائيلي يطاول "قلب المجتمع"
يشير أبو جامع إلى أن المساجد تمثّل جزءاً لا يتجزّأ من حياتهم منذ الطفولة. ويوضح أن الأذان هو بمثابة الاستيقاظ في الصباح، كما أن المسجد يقف بمثابة معلم إرشادي، إنه أكثر من مجرد مبنى. إنه يمثل "قلب المجتمع".
ويشدد على أن إعادة بناء حيهم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإعادة بناء المساجد، لأن هذه الأماكن ليست اعتباراً ثانوياً بل هي أساسية لحياتهم. ويلفت لباد إلى أن عشرات المساجد الأخرى، مثل مسجد الحساينة بالقرب من ميناء غزة، قد دمّرت أيضاً.
ويوضح: "هذه المساجد تحمل ذكرياتنا، خاصة خلال شهر رمضان. هذه الحرب طمست كل شيء. آمل أن يعاد بناء غزة بعد الحرب، وأن أتمكن من استعادة هذه اللحظات الجميلة وزيارة هذه الأماكن مرة أخرى مع عائلتي".
"سنَبنيها من جديد"
أدى الاستهداف المستمر للمساجد في غزة إلى اعتقاد فلسطينيين عدة أن هذه المساجد غير آمنة حتى أثناء الصلاة. وعلى الرغم من الخوف، يرفض عدد كبير التوقف عن ارتياد المساجد، معبرين عن صمودهم في مواجهة الهجمات.
ويقول خالد إسلام (30 عاماً) من مدينة خان يونس: "لن أتردد في الذهاب إلى المسجد. إذا مت هناك ستكون نهايةً جميلة لحياتي". ويضيف: "مشاهد المصاحف الممزقة والمحترقة تحت الأنقاض مؤلمة، وتعكس الظلم الذي تواجهه غزة"، لكن "المساجد لا تشكل أي خطر. سنعيد بناءها، ونرفع الأذان وسط الأنقاض".