عثر باحثون على أدلة تشير إلى أن البشر ربما وصلوا واستقروا في أرخبيل جزر فارو، شمالي المحيط الأطلسي، بين أيسلندا والنرويج والجزر البريطانية، نحو عام 500 بعد الميلاد، وهو وقت أبكر مما كان المؤرخون يظنون، ويسبق وصول الفايكينغ الاسكندينافيين إلى الأرخبيل بنحو 300 عام.
لا دليل على أن سكاناً أصليين قد عاشوا في الأرخبيل على الإطلاق، مما يجعلها واحدة من الأراضي القليلة على كوكب الأرض التي ظلت غير مأهولة بالسكان حتى العصور التاريخية الحديثة.
يعود أقرب دليل مباشر على الاستيطان البشري في جزر فارو إلى وصول الفايكينغ في نحو عام 800 بعد الميلاد، وربما تكون الجزر شكلت نقطة انطلاق لمستوطنة الفايكينغ في أيسلندا عام 874، واستعمارهم قصير العمر لغرينلاند، نحو عام 980. لكن حبوب الشعير المتفحمة وحبوب اللقاح التي عثر عليها في الجزر، والتي يعود تاريخها إلى نحو عام 500 بعد الميلاد، تشير بشكل غير مباشر إلى أن سكان الجزر الذين سبقوا الفايكينغ ربما كانوا يمارسون الزراعة.
يقترح مؤلفو الدراسة التي نشرت في دورية "كوميونيكيشنز إيرث أند إنفيرومنت" Communications Earth & Environment، التابعة لمجلة "نيتشر"، في 16 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أن تربية الماشية كانت نشاطاً معتاداً في الجزر قبل وصول الفايكينغ. ويعتقد المؤلفون أن المستوطنين الأوائل ربما كانوا من الشعوب السلتية التي تنتمي إلى الجزر البريطانية، وأنهم وصلوا بالفعل إلى الجزر في وقت ما قبل الفايكينغ.
حبوب الشعير واللقاح التي عثر عليها تشير بشكل غير مباشر إلى أن مَن سبقوا الفايكينغ ربما كانوا يمارسون الزراعة
وفي هذا السياق، قالت باحثة ما بعد الدكتوراه في قسم الجيولوجيا في "جامعة وايومنغ" الأميركية، والمؤلفة المشاركة في الدراسة، لورلاي كيرتن، إن الأدلة التي رجع إليها الفريق البحثي تستند إلى رواسب بحيرة تحتوي على علامات تشير إلى ظهور الأغنام المستأنسة في نحو عام 500 بعد الميلاد، أي قبل فترة طويلة من احتلال الفايكينغ للجزر.
وأوضحت كيرتن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الخراف لم تكن من بين الحيوانات التي تسكن الجزيرة، وفي السابق، لم تكن الجزر تستضيف أي ثدييات محلية أو غير محلية، لذا، فمن غير الممكن وصول الماشية إلى الأرخبيل إلا عن طريق الإنسان. كما تظهر دراسات حبوب اللقاح المأخوذة من البحيرات والمستنقعات أنه في وقت ما قبل الفترة الإسكندينافية اختفت النباتات الخشبية إلى حد كبير - ربما بسبب استمرار تناول الأغنام لها أو بسبب التغيرات المناخية.
وتشير بعض نصوص العصور الوسطى إلى أن الرهبان الأيرلنديين وصلوا إلى الجزر نحو عام 500 بعد الميلاد، وهي فترة تسبق وصول الفايكينغ إلى المستوطنة.
للتحقق من الفرضيات السابقة بشأن الاستيطان البشري في الأرخبيل، أجرت كيرتن وفريقها عمليات تأريخ بالكربون المشع، لمعرفة تاريخ الحبوب التي عثر عليها في المنطقة عام 2013، والتي أرجع التحليل تاريخها إلى الفترة ما بين 300 إلى 500 سنة قبل احتلال الفايكينغ.
وإلى جانب الاكتشاف المبكر لحبوب الشعير، لم يعثر أحد إلى الآن على بقايا مادية تعود للسكان في الفترة ما قبل الإسكندينافية، لكن الباحثين يقولون إن هذا ليس مفاجئاً. إذ تحتوي جزر فارو على عدد قليل جداً من المواقع المناسبة للاستيطان البشري، وخاصة المناطق المسطحة عند رؤوس الخلجان المحمية، حيث كان الإسكندينافيون قد شيدوا مساكنهم.
يُعتقد أن الشعوب البريطانية السلتية كانت أسبق في استيطان الجزر، رغم عدم العثور على أدلة دامغة
وعلى الرغم من أن الباحثين لم يتمكنوا من العثور على أدلة دامغة على هوية السكان الأوائل للأرخبيل، فإن الفريق البحثي يعتقد أن الشعوب البريطانية السلتية كانت أسبق في استيطان الجزر. أحد الأدلة التي تدعم هذا الافتراض هو أن الكثير من أسماء الأماكن في جزر فارو جرى اشتقاقها من الكلمات السلتية القديمة، كما توجد علامات وشعارات سلتية في مواقع المقابر القديمة المنتشرة في الجزيرة، وإن كانت غير مؤرخة.
وفي تصريحات سابقة لشبكة "سي أن أن" الأميركية، قالت كيرتن "لا يمكن أن تتحدث بياناتنا حقاً عن الأشخاص الذين وصلوا قبل الفايكينغ مع ماشيتهم، ولكن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الفايكينغ لم يستخدموا تكنولوجيا الإبحار في ذلك الوقت". وأضافت: "أعتقد أننا غالباً ما نقلل من شأن المستكشفين البشريين الأوائل وقدرتهم على الوصول إلى أراضٍ جديدة غير معروفة. لا أستطيع أن أتخيل مدى الشجاعة والمهارة اللازمتين للإبحار عبر شمال المحيط الأطلسي. إنها حقًا شهادة على الروح البشرية وحبها للاستكشاف".