تمتلك عمارة القصور منزلة مهمة داخل في المغرب، فالمؤسّسة الرسميّة توليها أهمّية بالغة مقارنة بأنماطٍ معمارية أخرى، وتسعى جاهدة لترميمها والعناية بأسوارها وأبراجها ونقوشها، ليس مخافة أن تندثر جمالياتها ذات الصلة بالمرحلة الوسيطة من تاريخ المغرب، إنّما لأنها تجد في هذا النموذج المعماري استمراراً وامتداداً لوجودها هي نفسها سلطة مركزيّة في نفوس ومشاغل الاجتماع المغربيّ.
تتميّز هذه القصور بجمالية تكاد تكون نوعية داخل المآثر التاريخية المغربيّة، إذ تكتسح ناصية كبيرة من الجنوب المغربي، فهناك يعثر الزائر على عشرات من هذه القصور المُتربعة على عرش الجغرافيا المعمارية. المناخ الحارّ الذي تشهده المنطقة الجنوبية يجعل بعض أشكال ونماذج القصور (الطينية مثلاً) يصعب تشييدها في أمكنةٍ أخرى وسط أو شمال البلد. فكلّما امتدّ الزمن تتكثّف مادّة العمارة، وتغدو حجارتها صلبة وترسم في بعيد البعيد وجوداً ساطعاً عن حضارةٍ عريقة تكاد صورتها لم تندثر بعد. هذا إضافة إلى أنّ هذه المناطق لم يكتسحها الزحف العماري مقارنة بمُدنٍ أخرى، ما جعل أبنيتها التاريخيّة تظلّ مثار اهتمامٍ كبيرٍ، سواء من طرف مندوبية التراث اللامادي أو من سكّان المنطقة أنفسهم.
غير أنّ السبب الرئيسي والعميق الذي يجعل هذه القصور تتركّز في مناطق الجنوب الشرقي يعود أساساً إلى أسبابٍ تاريخيّة تتعلّق بمفهوم العصبيّة القبليّة التي منها تنحدر أغلب الدول التي تعاقبت على حكم البلد في فتراتٍ تاريخيّة مُتباينةٍ منذ العصر المُرابطي. فهذا البُعد القبلي الذي ساهم في قيام الدول كان له تأثيرٌ كبير على توطين هذه القصور في المنطقة الجنوبية وجعلها بمثابة "عاصمة" للدولة ووثيقة تاريخيّة بصريّة عن الأوج السياسي الذي عرفته الدولة إبّان مرحلةٍ مُعيّنة.
أوّل سمةٍ بصريّة تتميّز بها عمارة القصور في المغرب أنّها تجعل الزائر والسائح ينسج معها علاقة وجدانية، تبدأ بالإحساس الداخلي الذي تُثيره في جسده وهو يقف أمام عظمة بنائها وشموخها، إذ تُعطي الانطباع الأوّل بهشاشة الفرد أمام قوّة التاريخ وقُدرة الفنّانين والحرفيين على تشييد الذاكرة الجماعية، بعيداً عن السياسة المركزيّة، رغم وجودهم وعملهم داخلها.
التاريخ لا يحتفظ بصُوَر هذه السُلطة إلّا ما دبجه يراع الخطاطين وما نحته الفنّانون على جدرانها. وبالتالي، فقد مثّلت القصور خلال العصر الوسيط ما يشبه "مختبراً" بصريّا للفنّان وهو يبني على أسوارها مجد الحضارة العربيّة، مُستمدّاً من الفنّ الإسلامي ملامحها وجماليّاتها، جاعلاً منها تراثاً إسلامياً بقدر ما ينفصل عن أساليبه وأشكاله وزخارفه يظلّ ملتحماً بخصائص هذا الفنّ الإسلامي على مُستوى النّسق والتفكير، إذ لا يوجد قصرٌ مغربيّ قديم لم يتأثّر بأساليب ومُكوّنات الفنّ الإسلامي، وحتّى القصور الحديثة بقيت تعود إلى هذا النموذج الجمالي المُبكّر، رغم بروز بعض الزخارف والتزاويق والكتابات المنقوشة ذات النفس المغربيّ.
عملية تفسير وجود الفنّ الإسلامي على جسد القصور المغربيّة القديمة يرتبط بسمة أنثروبولوجية ترتبط بالمناطق التي انتشر فيها الإسلام، خصوصاً داخل أمكنةٍ لعب فيها المجاهدون والفقهاء وشيوخ الزوايا دوراً بارزاً ومركزيّاً في تكريس الإسلام والدفاع عنه وتوطيده بشكلٍ أكبر داخل بلاد المغرب الأقصى (المغرب حالياً). وبالتالي، كان ضرورياً أن ينطلق الفنّان من بيئته واجتماعه وثقافته وحضارته من أجل اجتراح أفقٍ بصريّ لكلّ القصور والقصبات التي عمل على تشييدها في المغرب.
تختلف أنواع القصور التاريخيّة بتنوّع جغرافيات المنطقة أو المَدينة. فلا غرابة أنْ تُطالعنا قصور مُذهلة بجماليّات عمارتها ونضارة أسوارها وأبراجها، غير أنّها تختلف من حيث المساحة ووظائفها السياسيّة والاجتماعية. وتشترك هذه القصور في علوّ أسوارها وتشابه هندستها وأنظمتها المعمارية الداخلية وما يُحيط بها من مرافق ومساجد وبيوت ومخازن للحبوب وحدائق تراثية. أما من الناحية التشكيليّة فتتشابه هذه القصور، حيث نجد الفنّان القديم قد عمد إلى إعادة محاكاة تاريخ الفنّ الإسلامي وجماليّات خطوطه على اختلاف أنواعها وألوانها، كما قام بوضع نوعٍ من الزخارف الطبيعية مثل النباتات والأشجار والورود وأيضاً بعض الرموز والعلامات، ما يُفسّر علاقة الفنّان بالمكان والأرض، بل أيضاً بمعرفته العميقة بالحياة الاجتماعية القديمة التي أعاد سردها وحكيها بصرياً على جدران هذه القصور التاريخية.