كشف الكاتب والباحث وليد سيف عن تحويل مسلسله التلفزيوني "التغريبة الفلسطينية" الذي عرض عام 2004 من إخراج الراحل حاتم علي، إلى عمل روائي سيصدر في غضون أيام قليلة عن الدار الأهلية في عمّان على جزأين هما: "أيام البلاد" و"حكايا المخيم".
وتأتي فكرة تحويل الدراما إلى روايات، ضمن مشروع دأب على تنفيذه سيف خلال السنوات الماضية، بهدف تأريخ النص الأدبي وضمه إلى أرشيف الرواية العربية "أمر يسير إعادة النص التلفزيوني إلى ثوبه الأدبي، كون نصوصي أساساً بُنيت أدبياً وسيجد القارئ في الروايات ما تم استبعاده من العمل التلفزيوني، ليكون مشروعاً روائياً متكاملاً سيصله تاماً" قال سيف في الندوة التكريمية التي نظمها "معرض عمّان الدولي للكتاب" في دورته الحادية والعشرين، احتفاءً باختياره "شخصية المعرض الثقافية".
وبيّن سيف أن الصناعة الدرامية السينمائية والتلفزيونية الراقية، "تضيف إلى العمل بأدواتها البصرية المؤثرة، فالشكل الروائي يتيح من خلال شروطه ومقتضياته للكاتب والقارئ، من العناصر السردية والوصف الخارجي والداخلي والتأملات النفسية والفلسفية، ما لا تقيده محددات الصناعة السينمائية والتلفازية، وما يمتد على وسع خيال الكاتب". موضحاً أن ما شجعه على النهوض بهذا المشروع، أن "أعماله الدرامية كُتبت في الأصل بلغة أدبية، فيصح أن توصف بالأدب الدرامي المصور".
ويأتي صدور روايتي "أيام البلاد" و"حكايا المخيم"، استكمالاً للمشروع الذي بدأ مع رواية "مواعيد قرطبة" المبنية على مسلسل "ربيع قرطبة"، و"النار والعنقاء" المبنية على مسلسل "صقر قريش" الصادرة في جزأين، هما: "الرايات السود" و"صقر قريش"، وأخيراً صدرت رواية "الشاعر والملك" المبنية على مسلسل "طرفة بن العبد"، ويعمل سيف حالياً على رواية "ملوك الطوائف"، وأيضاً رواية "ملحمة الحب والرحيل" التي تروي أحداث حرب البسوس.
ويمضي سيف جل وقته حالياً في مسارين متوازيين، أولهما: تحويل مسلسل "عمر" إلى دراما مكتوبة، وكتابة مسلسل "غرناطة" وهو رابع حلقات مسلسلات الأندلس، وفيها يضيء على معاناة المورسكيين وهم العرب الذين بقوا في الأندلس وقتاً طويلاً بعد سقوط غرناطة وتعرضوا للاضطهاد الشديد.
الندوة التي تحدث خلالها الناقدان صالح ورزان إبراهيم، أدارها الزميل معن البياري. وفي تقديمه لسيف، أشار البياري إلى أن الاحتفائية لا تأتي فقط، من باب تكريم مستحق لشخص سيف، وإنما أيضاً وفاء من المثقفين الأردنيين تجاهه، لما اتصفت به نتاجاته الدرامية والشعرية والفكرية من تميز خاص. وقال: "لا مبالغة أبداً في القول إن وليد سيف هو كاتب الدراما التاريخية الأميز عربياً، ما يعود إلى أنه لم يكن أبداً مؤرخاً، ولا معنياً بتقديم وقائع في الماضي وتشخيصها في سيناريوهات وحوارات لتكون مشاهد على شاشة التلفزيون، وإنما ظل معنياً، في مجمل أعماله، بصناعة جمال إبداعي من هذه الوقائع، يتوخى الوقوع على المعاني والمغازي والدلالات، وذلك بأدوات الدراما وشروطها نفسها، حيث الحوار المعمق، واللغة العالية، والوفاء لقيمة الصورة والمشهدية".
فيما أضاء صالح على تجربة سيف كشاعر، قبل انسحابه من المشهد الشعري لصالح الخلود في عالم الرواية والنصوص الدرامية، وقال: "على الرغم من أنه توقف عن نشر الشعر منذ حوالي أربعين عاماً، فإن تجربة وليد سيف الشعرية تبقى واحدة من العلامات الأساسية في المدونة الشعرية في الأردن وفلسطين، كما في المدونة الشعرية العربية بعامة. فصوته الشعري يتمتع بالفرادة والتميز، ولغته تملك سطوحاً وأعماقاً متعددة، ومصادره التي يتأثَّر بها ويتصادى معها، عديدة وغائرة في النص الشعري العربي منذ خمسينيات القرن الماضي، وحتى ثمانينياته على الأقل".
بدورها، أوضحت الدكتورة رزان إبراهيم أن قضية فلسطين عاشت في قلب وليد سيف وشكلت وعيه ووجدانه وأحلامه وشرط وجوده. وضربت إبراهيم مثالاً بمسلسل "التغريبة الفلسطينية" مشددة على اعتناء سيف بأدق التفاصيل، قائلة: "من شاهدوا (التغريبة الفلسطينية) من الفلسطينيين، وجدوا فيها مرآة لحياتهم وأهلهم، وجدوا أنها صورة من آبائهم وأجدادهم وأقاربهم، وأنها كانت تروي قصصهم الخاصة بقدر ما كانت تروي قصة الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن الصور والحكايات الواقعية في هذه التغريبة روت القضية العامة للفلسطينيين، وكذلك روايتهم الشخصية، فوجدوا أنفسهم يعيشون القضية من جديد بكل آلامها وأحزانها وآمالها. الكل وجد نفسه حاضراً فيها في موضع منها أو حدث أو موقف".