استمع إلى الملخص
- يُهدد القانون المؤسسات الفنية والثقافية بفقدان وضعها المعفى من الضرائب، مما قد يؤثر سلباً على تمويل المتاحف والجامعات الداعمة للفنون.
- أثار القانون ردود فعل غاضبة من المجتمع المدني، محذراً من خطورته على الحقوق الدستورية وحرية التعبير، مع احتمال زيادة الرقابة الذاتية وإساءة استخدام السلطة.
في خطوة أثارت سجالات في الأوساط الحقوقية والفنية، أقر مجلس النواب الأميركي قانوناً يُعرف باسم "قانون العقوبات الضريبية ووقف تمويل الإرهاب". يمنح هذا القانون الرئيس الأميركي سلطة لحرمان المؤسسات غير الربحية من وضعها المعفى من الضرائب إذا صُنّفت على أنها تدعم "أنشطة إرهابية" أو "نشاطات تخريبية وغير قانونية" داخل البلاد أو خارجها. ورغم المعارضة القوية، نجح القانون في اجتياز التصويت داخل مجلس النواب بأغلبية بسيطة، بقيادة الجمهوريين.
يُشكل هذا القانون تهديداً للمؤسسات الفنية والثقافية، إذ يضعها تحت رحمة قرارات السلطة التنفيذية. تعتمد معظم هذه المؤسسات على وضعها كمنظمات غير ربحية معفاة من الضرائب، ما يمكّنها من الحصول على التمويل والتبرعات، وهي بمثابة شريان حياتها. إذا طُبق هذا القانون، فقد تُواجه هذه المؤسسات خطر فقدان هذا الامتياز الأساسي إذا وُصفت بأنها داعمة لأنشطة تخريبية أو إرهابية.
يرى عديد من المراقبين والمهتمين بالشأن الثقافي في الولايات المتحدة أن القانون الجديد يُمكن أن يؤثّر سلباً بمؤسسات مثل المتاحف والمساحات الفنية الصغيرة والغاليريات، بل يمكن أن يمتد تأثيره أيضاً إلى الجامعات التي تلعب دوراً رئيساً في دعم الفنون والثقافة. واحدة من أكثر النقاط المثيرة للقلق في هذا القانون، هي توسيع صلاحيات الرئيس.
بموجب التشريع الجديد، يمكن للسلطة التنفيذية اتخاذ قرار بحرمان مؤسسة من وضعها المعفى من الضرائب، بسبب اتهامات غامضة وغير محددة بدعم أنشطة غير قانونية أو إرهابية. بناءً على هذا القانون، قد تُستهدف المجموعات والمؤسسات المُدافعة عن الحقوق الفلسطينية، وكذلك المنظمات الطلابية، مثل مجموعة طلاب من أجل العدالة في فلسطين. ولم تكن الإشارة إلى الجماعات المؤيدة لفلسطين مجرد تخمينات أو توقعات، فقد أشار التقرير المرافق للقانون إلى هذه المؤسسات والجماعات صراحة، واصفاً إياها بأنها من بين الجهات التي "تُغذي أنشطة معادية للسامية".
قابل المجتمعُ المدني القانون بردات فعل غاضبة، إذ حذّر أكثر من 300 منظمة غير ربحية في رسالة مشتركة موجهة إلى قادة مجلس النواب من خطورة القانون. أكدت الرسالة أن التشريع يمثّل تهديداً مُباشراً للحقوق الدستورية، لأنه يمنح السلطة التنفيذية القدرة على استهداف الخصوم السياسيين وكبح حرية التعبير. كما أشارت إلى أن المخاوف القانونية قد تُثني المانحين عن دعم المؤسسات الثقافية، ما يُعرّض هذه الأخيرة إلى خطر الإغلاق.
انضمت منظمة العفو الدولية إلى المئات من منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة لإدانة القانون، ومن بينها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية. وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن الصياغة الفضفاضة للتشريع تشكّل خطراً على عمل المنظمات الحقوقية، بما فيها تلك التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان. ومن جانبه، وصف المدير التنفيذي للمنظمة في الولايات المتحدة، بول أوبراين، مشروع القانون بأنه "مثير للقلق"، لأنه يفتقر إلى ضمانات تمنع إساءة استخدامه. وقال في بيان نشره موقع المنظمة: "مشروع القانون الجديد لا يتطلب أي تبرير لقرارات التصنيف، ولا يستند إلى أي أدلة ملموسة، ما يجعله أداة قمع خطيرة".
سيؤثر هذا القانون في المتاحف والمساحات الفنية والثقافية في الولايات المتحدة، إذ سيُهدد قدرتها على أداء دورها، فالمتاحف التي تستضيف معارض أو أنشطة تتعرض للاحتلال الإسرائيلي أو تُدافع عن حقوق الفلسطينيين قد تُعتبر داعمة لأنشطة "تخريبية"، ما يجعلها عرضة لفقدان وضعها غير الربحي. وستدفع المخاوف القانونية هذه المؤسسات إلى زيادة الرقابة الذاتية على أنشطتها، وإلغاء معارض، وتجنب مناقشة قضايا سياسية معينة، وبالتالي تقويض الرسالة الثقافية والتعليمية لهذه المؤسسات. وفقاً لتحليل الخبراء القانونيين، فإن اللغة الغامضة في التشريع الجديد تفتح الباب أمام إساءة استخدام السلطة وقمع حرية التعبير. يمكن أن يُستخدم القانون كذلك أداة سياسية لاستهداف منظمات تُعارض سياسات الحكومة أو تدافع عن حقوق الأقليات.
لا شك أن تبعات إقرار مثل هذا القانون ستكون عميقة على المشهد الثقافي والفني في الولايات المتحدة. ويطرح إقرار مثل هذا القانون تساؤلات مهمة حول التوازن بين الأمن القومي والحريات العامة، وكيف يمكن ضمان الحفاظ على قيم الديمقراطية في ظل قوانين تفرض قيوداً صارمة على حرية التعبير؟ ولعل الإجابة عن هذه التساؤلات ستحدد طبيعة الأنشطة الفنية والثقافية في الولايات المتحدة خلال السنوات المُقبلة، أو على الأقل خلال الفترة التي سيتولاها الرئيس المُنتخب دونالد ترامب.