أتساءل في كثير من الأحيان: أين ذهبت القوة الناعمة؟ أين ذهب مبدعونا الحقيقيون وهم كثر؟
أين ذهبت الأعمال الفنية والأدبية التي استحوذت في يوم من الأيام على شغاف قلوبنا، وامتلكت عقولنا وصنعت وعينا؟
أين ذهب كل هذا؟ هل أصحاب الفن الجيد الحقيقي يعانون أشد المعاناة أمام أنصاف وأرباع الموهوبين، أصحاب العملة الرديئة التي سادت وطغت، مع شديد الأسف، ووجدت من يدعمها بشدة، بينما لم يجد أصحاب المواهب الكبيرة من يدعمهم ويدعم إبداعهم.
ألم يشفع لهم تاريخهم الفني الناجح الكبير الذي أمتعنا وأمتع أجيالاً متلاحقة من جماهير مصر والعالم العربي؟
أصبحنا نبيت ونستيقظ على ألم فقد فنانين كبار، إلى درجة أنهم يكادون ينفدون خلال مقبل الأيام.
بيات شتوي قهراً وليس اختياراً. أجبرتهم الظروف والمناخ المحيط على أن يهربوا داخل ذواتهم، بعدما سُدّت جميع المنافذ في وجوههم، ولم يجدوا متنفساً سوى اللجوء إلى ذواتهم المثخنة بالجروح.
رحيل المسرحي جلال الشرقاوي جاء بعد معاناة وصراع كبير من أجل إنجاز مشروعه الأخير الذي لم ير النور "هولاكو". كان الشرقاوي مزمعاً على تقديمه على المسرح القومي، ولكن تضافرت كثير من المعوقات في وجه المشروع، لتوقف البروفات إلى أجل غير مسمى.
رحيل أحمد يحيى، ذاك المخرج الكبير الذي قدم للسينما المصرية الكثير من الأعمال التي لا تنسى، ولكنه لم يجد الدعم ليقدم مزيداً من الإبداع واضطر للهروب إلى داخله، علّه يجد السلوان.
محمد صبحي ظهر في فيديو يكاد يبكي شاكياً قلة حيلته، وعجزه، مناشداً القناة التلفزيونية لتشتري مسلسله الجديد.
علي عبد الخالق، يقبع في منزله متعففاً عن طلب العمل، وهو المخرج الكبير الذي قدم لنا الكثير والكثير.
الأمثلة كثيرة ولكننا لا نريد البكاء على اللبن المسكوب، فليس هذا هدفنا ولا طبيعتنا، ولكن الهدف من الكتابة عن وضع مبدعي بلدنا، هو الأمل في السعي لتحرير الفنانين الحقيقيين ومساعدتهم على إطلاق سراحهم من داخل ذواتهم، ليخرجوا إلى النور وإلى جمهورهم مرة أخرى، ليقدموا مزيدا من المتعة والإبداع.