- التعديلات الأخيرة على قانون الإعلام في سوريا تشكل تراجعًا في حرية الصحافة، حيث تم حذف عبارات تضمن حرية الإعلام وحماية الصحافيين، مما يزيد من مخاطر ممارسة المهنة.
- في شمال غرب سورية، الصحافيون يواجهون تحديات بسبب الظروف الأمنية والثقافية ونقص الموارد، مما يعيق قدرتهم على جمع المعلومات بشكل كافٍ ودقيق.
مع حلول اليوم العالمي لحرية الصحافة، يعود الحديث عن الوضع الصعب للعاملين في الإعلام في مناطق سيطرة النظام السوري وخارجها، الذين يعملون تحت أسماء مستعارة خوفاً على حياتهم من بطش السلطات، وخشيةً من قوانين صُنعت لكمّ الأفواه.
"حرية الصحافة قد تؤدي إلى رصاصة تنهي حياة الصحافي الذي يؤمن بها، أو قد تصير قيداً يكبل معصميه إن سعى لتطبيقها. إنّه مصطلح قد يكلف الصحافي حياته"، بحسب ما قاله الصحافي علي الحسين في حديث مع "العربي الجديد". بدوره، يحكي رافد السيد (اسم مستعار لناشط إعلامي) لـ"العربي الجديد" عن اعتقاله ثلاث مرات، راوحت فيها المدة التي قضاها في السجن بين أسبوع وثلاثة أشهر، واجه خلالها الضرب والتعذيب نتيجة عمله، ما أجبره على العمل بسرية، واللجوء إلى اسم مستعار لضمان أمنه الشخصي. يشير السيد إلى أن سلطات النظام السوري "تعتقل العاملين في الحقل الإعلامي تحت تهم جاهزة بعيدة كل البعد عمّا يثير تعاطف المجتمع الدولي والمجتمع المحلي"، ويتضمن ذلك "الاتجار بالمخدرات، والتزوير، والتخابر مع جهات معادية، أو أي تهمة جنائية أخرى".
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد وثقت في تقريرها بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة عام 2023 مقتل 715 صحافياً وناشطاً، من بينهم 52 تحت التعذيب، منذ عام 2011 على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية. بينما سجلت منذ العام الماضي وحتى اليوم ملاحقة واعتقال 10 صحافيين وناشطين في مناطق سيطرة النظام، من بينهم أربعة من العاملين في مؤسسات الإعلام الرسمية التابعة للنظام.
بدورها، تقول جمانة العلي (اسم مستعار) التي تعمل في مكتب إعلامي في إحدى المؤسسات الحكومية في دمشق، إنّها تستعمل اسماً مستعاراً للكتابة في موقع صحافي مستقل مخافة أن تتعرض لملاحقة أمنية. وتلفت في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن الجهات الأمنية استدعتها مرتين بعد تسريب ملفات تتعلق بقضايا فساد في المؤسسة التي تعمل فيها، وانتشارها على وسائل التواصل الاجتماعي.
في منتصف الشهر الماضي، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً بمجموعة من التعديلات التي طاولت قانون الإعلام، إلا أن رئيس اتحاد الصحافيين التابع للنظام، موسى عبد النور، وصف التعديلات الجديدة، خلال لقاء مع إحدى الإذاعات المقربة من السلطة، بأنها "لا تلبي الطموح على الإطلاق، وفيها تراجع كبير في ما يتعلق بالبيئة التشريعية لممارسة مهنة الإعلام في سورية". وأشار عبد النور إلى بعض التغيّرات "الطفيفة" التي أدخلت على القانون، فحذفت صفة "المستقل" للإعلام من الفقرة "يؤدي الإعلام بوسائله كافة رسالته بحرية"، مشيراً إلى أن كلمة "مستقل" المحذوفة "تعبّر عن توافق القانون مع المعايير المتعارف عليها دولياً في ما يتعلق بممارسة العمل الإعلامي".
كذلك حذفت الفقرة ألف من المادة السابعة، التي تقول إن "حرية الإعلامي مصونة بالقانون ولا يجوز أن يكون الرأي الذي ينشره الإعلامي سبباً للمساس بهذه الحرية إلا في حدود القانون"، واستبدلت بعبارة: "حرية الإعلامي مصونة في إطار المبادئ والقيم" فقط، لكون ذلك يجرد الإعلامي من حصانته قانونياً، حتى وإن كانت هذه الحصانة سجينة النص من دون تطبيق. إضافة إلى حذف الفقرة باء من المادة نفسها، التي تقول إنه "لا يحق لأي كان مطالبة الإعلامي بإفشاء مصادر معلوماته إلا من طريق القضاء وفي جلسة سرية"، ما يعرّض سرية المصادر للتهديد.
كذلك، شهدت التعديلات حذف المادة الـ101 المتعلقة بالإجراءات التي تتخذ بحق الصحافي في حال مخالفة أحكام القانون: "في جميع الأفعال التي تشكل جرائم ويقوم بها الإعلامي في معرض تأدية عمله باستثناء حالة الجرم المشهود، لا يجوز تفتيشه أو تفتيش مكتبه أو توقيفه أو استجوابه إلا بعد إبلاغ الوزارة أو فرع اتحاد الصحافيين لتكليف من يراه مناسباً للحضور مع الإعلامي". نتيجةً ذلك، يصير الاعتقال التعسفي للعاملين في المجال الإعلامي مقونناً، أو على الأقل غير محميّ بقانون منصوص.
وفي المقابل، ليس الوضع في مناطق شمال غرب سورية أفضل بكثير مما هو في مناطق سيطرة النظام، فالعديد من الانتهاكات طاولت وما زالت تطاول الصحافيين والعاملين في الإعلام في جميع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وقال رئيس رابطة الإعلاميين السوريين، عمر حاج أحمد، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن "كل الأنظمة الشمولية، وبكل مسمياتها تنتهك حرية الإعلام والمشتغلين به، مثل منع التغطيات، وحجب المعلومات، لتصل الى الاحتجاز والاعتقال التعسفي، وملاحقة بسبب الآراء على صفحات التواصل الاجتماعي"، مؤكداً أنه "لا توجد قوانين ناظمة تحمي حرية الإعلام والإعلاميين، وإن وجدت فهي شكلية". ولفت إلى أنّ الرابطة وثّقت ما بين 35 و40 قضية منذ مطلع مايو/أيار 2023 وحتى اليوم، وهي نسبة أقل من العام الذي سبقها وشهد 70 قضية. مع العلم أنّ هناك حالات كثيرة تتعلق بصحافيين تحلّها الرابطة من دون توثيقها.
وقالت الصحافية والمدافعة عن حقوق المرأة في إدلب، ميساء المحمود، إن الصحافيات يواجهن تحديات عدة شمال غربي سورية، "بسبب تعدد سلطات الأمر الواقع، وصعوبة التنقل بين المناطق، وعدم وجود جهة تكفل حماية الصحافيين". وأضافت، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصحافيات "يواجهن تعقيدات الظهور الإعلامي وحرية التعبير أكثر من الصحافيين، بسبب الظروف الأمنية والثقافية والمجتمعية".
وأشارت الصحافية إيمان الشيخ إلى أنها تواجه تحديات جمة أثناء عملها الصحافي، "أولها استمرار عدم تقبل المجتمع لعمل المرأة في الإعلام، وليس آخرها حملات التشهير والتنمر التي تتعرض لها". وأشارت إلى "التعقيدات التي خلقتها حكومة الإنقاذ، من خلال منع دراسة الإعلام الأكاديمي للإناث في جامعة إدلب، وحصرها بجامعات الشمال، عدا عن صعوبة الحصول على بطاقات صحافية، وفرض طلب إذن من وزارة الإعلام في حكومة الإنقاذ لتصوير أي تقرير إعلامي". ولم تنس لفت النظر إلى "صعوبة الحصول على فرصة عمل، وعدم وجود قانون لحماية الصحافيين والصحافيات في إدلب".
من جانبه، قال الناشط الإعلامي في إدلب أحمد بربور، لـ"العربي الجديد"، إن "العمل في مناطق النزاع يعرض الصحافيين لأخطار كبيرة، بما في ذلك الهجمات المباشرة والتعرض للخطف". وأضاف أن الصحافيين "يتعرضون لضغوط من الأطراف المتحاربة أو من السلطات المحلية لتقديم تقارير تناسب أجنداتهم". وتحدث عن نقص الموارد والبنية التحتية للصحافة مثل الكهرباء والإنترنت، والطابعات ومعدات التصوير، عدا عن صعوبة الوصول إلى المعلومات وعلى تصاريح الدخول أو الوصول إلى المناطق المتنازع عليها، ما يعيق قدرة الصحافيين على جمع المعلومات بشكل كافٍ ودقيق.