انفجارات أجهزة البيجر... كلّنا نحمل موتنا في أيدينا

20 سبتمبر 2024
لبنانيون على باب مستشفى استقبل الجرحى، 18 سبتمبر 2024 (حسام شبارو/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **انفجار أجهزة البيجر في لبنان**: انفجر أكثر من ثلاثة آلاف جهاز بيجر في لبنان، مما أدى إلى حالة من الهلع وتكدس الجرحى في المستشفيات. يُعتقد أن الهجوم من تنفيذ إسرائيل، مما أثار تساؤلات حول كيفية حدوثه، سواء كان هجومًا سيبرانيًا أو قنابل مصغرة.

- **التكنولوجيا والحرب المعاصرة**: الحادثة تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الحرب، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تحول أي جهاز تواصل إلى قنبلة موقوتة، مما يثير مخاوف جديدة حول الأمان الشخصي.

- **التأثير النفسي والاجتماعي**: الحادثة أثرت بشكل كبير على المخيلة الجماعية وزادت من حالة الرعب، مما يجعلنا نتساءل عن مدى أمان الأجهزة التي نحملها وكيف يمكن أن تتحول إلى أدوات قتل.

في البقالة، في المستشفى، على دراجة نارية في الشارع، وعند الساعة الثالثة والنصف ظهراً، انفجر أكثر من ثلاثة آلاف جهاز بيجر في لبنان. هلع عمّ الجميع، وتكدّس الجرحى في المشافي، لتتوالى الأخبار: هجوم إسرائيل أدى إلى انفجار هذه الأجهزة شديدة البساطة، بل والأثريّة إن صح التعبير.
احتار "المختصون" في تفسير السبب. هل هو هجوم سيبراني أم قنابل مصغرة زُرعت في شحنة الأجهزة التي وصلت إلى لبنان؟ والمعروف أن عناصر حزب الله يستخدمونها؟ لكن، وبغض النظر عن الانحيازات السياسيّة، نحن أمام كبسة زر واحدة استهدفت أربعة آلاف شخص في اللحظة ذاتها. نحن أمام مشهد من الخيال العلمي. كما لو أنّها حبكة سيئة لأي فيلم مفادها أن تُصيب "الجميع" في اللحظة ذاتها، وكأنهم كتلة بشرية يمكن قتلها، سواء كانوا مقاتلين أم لا، نحن أمام انتهاك صارخ لقوانين الحرب. القتل خارج مساحة الاشتباك، يعني أن "الكل" يستحق الموت أينما كان.
فكرة تفجير أجهزة الاتصال بقيت حكراً على الأفلام، وعمليات "نوعية" قليلة في الحروب، لكننا اليوم أمام هجوم واسع، يهدد الجميع. مرحلة جديدة من الحرب المعاصرة لم نشهدها من قبل، أو بصورة أدق، شهدناها في حرب الإبادة على قطاع غزة، ذكاء اصطناعي يستهدف "الجميع" ويحدد من يستحق الحياة والموت.
الآن الجميع في خطر. كيف نثق بما نحمله في جيوبنا؟ كل ما يرنّ ويؤمّن التواصل مهدّد بأن يتحول إلى قنبلة. بعد الفضائح التي كشفها إدوارد سنودن، سلمنا بأن كل أجهزتنا هي بمثابة جواسيس، تتنصت على ما نقول، وتعرض لنا إعلانات بوصفنا مُستهلكين. لكن اليوم، كلنا نحمل موتنا في أيدينا. قد يكون ذلك مبالغة. لكن ما حصل في بيروت حرّر المخيلة، وزاد من أثر الرعب. التكنولوجيا والحرب المعاصرة، تركتنا لا فقط أسرى الشاشات، بل ضحايا محتملين يمكن بـ"كبسة زر" أن تحرق وجوهنا وأعيننا التي تُحدّق في الشاشات، وأيدينا التي تقلب ملايين المنشورات.
كيف لا ندخل نظرية المؤامرة الآن، في تفسير مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؟ أو اغتيال إسماعيل هنيّة؟ كيف نثق بمفهوم "التواصل" الذي قد تتحول أجهزته إلى قنابل في انتظار أن تنفجر في أي لحظة؟ كثير من الأسئلة إجاباتها إما من نظرية المؤامرة أو أفلام الخيال العلمي. لكن، هل هكذا نحلل الحروب الآن؟ ننتظر اللامتوقع؟ ما نحن على يقين منه أن الواحد منا الآن يحمل موته في يده. ما كان يستخدم لاختزال المسافات، أصبح قنبلة انفجارها خاضع لقرار يصدره بنيامين نتنياهو، الذي لم تصدر إلى الآن مذكرة الاعتقال الدولية بحقه.
هناك فجوة تكنولوجية لا يمكن إنكارها، نواجهها نحن "المستهلكين" لوسائل الاتصال وما تبثه. ولطالما كان الظن أن هذه الفجوة تخدم بعض الدول الأقل تقدماً، كعدم تهديد الذكاء الاصطناعي لأعمالنا، نحن من نكتب العربية، بسبب ضعف المحتوى العربي. لكن يبدو أن هذه الفجوة قد تنقذ وظائفنا لكنها لن تنقذ حياتنا. كيف نثق الآن بهاتف نقال أو حاسوب لوحي، أو كل شيء يرن أو ذي شاشة؟

يعيدنا ما حدث إلى سرديات ظننا أننا تجاوزناها، ليس لأن حلولها ناجعة، بل جرى تجاهلها بوصفها جزءاً من "شرط العصر" أو قدرة التطور التكنولوجي على تجاوز الأحقاب الزمنية. اليوم، مع انفجار أجهزة البيجر تحول المتخيل إلى حقيقة. ويبقى السؤال الآن: متى سينفجر الهاتف النقال في أيدينا؟ ما آخر ما سنراه على الشاشة قبل أن تنفجر ونفقد أعيننا؟

المساهمون