كشف باحثون من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية وجامعة جيان الإسبانية آثاراً لتماسيح محنطة بطريقة فريدة في موقع قبة الهوا المصري (جبل صخري يقع على الضفة الغربية للنيل بالقرب من أسوان)، خلال القرن الخامس قبل الميلاد، وفقاً لدراسة نشرت في 18 يناير/كانون الثاني الماضي، في مجلة PLOS One.
تعد الحيوانات المحنطة، بما في ذلك التماسيح، من الاكتشافات الشائعة في المواقع الأثرية المصرية. وعلى الرغم من توفر عدة مئات من التماسيح المحنطة في مجموعات المتاحف في جميع أنحاء العالم، فإنها لا تفحص بدقة في كثير من الأحيان.
في هذه الدراسة، قدم المؤلفون تحليلاً مفصلاً لتشكل وحفظ عشر مومياوات لتماسيح عثر عليها في مقابر صخرية في موقع قبة الهوا على الضفة الغربية لنهر النيل. تضمنت المومياوات خمس جماجم معزولة، وخمسة هياكل عظمية جزئية، تمكن الباحثون من فحصها من دون فك أو استخدام الأشعة المقطعية والتصوير الشعاعي. بناء على الخصائص الجسدية للتماسيح، تم التعرف إلى نوعين منها: تماسيح غرب أفريقيا وتماسيح النيل، إذ يراوح طول العينات من 1.5 إلى 3.5 أمتار. ووفقا للنتائج، لم يعد تمساح غرب أفريقيا موجوداً في مصر في الوقت الحاضر.
يختلف أسلوب حفظ المومياوات عن أسلوب حفظ تلك الموجودة في المواقع الأخرى، وأبرزها عدم وجود دليل على استخدام الراتنج أو نزع أحشاء الذبيحة كجزء من عملية التحنيط. يشير أسلوب الحفظ إلى عصر ما قبل البطالمة، وهو ما يتوافق مع المرحلة الأخيرة من الاستخدام الجنائزي لقبة الهوا خلال القرن الخامس قبل الميلاد. يوضح هذا الاكتشاف أن عبادة "سوبك" كانت موجودة وتمارس بالفعل في هذه المنطقة من غرب النيل، خلال فترة ما قبل البطالمة.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قالت المؤلفة الرئيسية بيا دي كيوبر، الباحثة في المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية، إن الدراسة ترصد إيداعاً استثنائياً لمومياوات التماسيح في قبر غير "منبوش" من قبل، أي لم يتعرض للعبث أو السرقة. تشمل الاكتشافات خمسة حيوانات كبيرة أو مكتملة إلى حد ما، بالإضافة إلى خمس جماجم. ولم يعثر الباحثون في الموقع على دليل على أي تقنية تحضير خاصة للمومياوات، إذ لا توجد مؤشرات على استئصال الأمعاء، وليس هناك أثر لاستخدام البيتومين. وأضافت دي كيوبر: "يفترض أن الحيوانات وضعت أولاً في مكان آخر على السطح، أو دفنت في بيئة رملية سمحت للأجساد بالجفاف بشكل طبيعي، ثم جرى لف الجثث بالكتان والحصير من سعف النخيل ونقلها إلى القبر. أثناء عملية التحنيط، وقعت أضرار لبعض التماسيح، بينما تم الحفاظ على البعض الآخر في حالة جيدة. في حالة الجماجم الخمس المعزولة، أزيلت الرؤوس عندما جفت التماسيح بالفعل".
لم تحفظ الضمادات والأغطية المصنوعة من الكتان في القبر، ما سمح للفريق بدراسة العظام وقياسها. واستناداً إلى السياق الأثري الذي عثر فيه على مقبرة التماسيح، وحقيقة عدم استخدام البيتومين أثناء عملية التحنيط، يفترض الباحثون أن الرواسب التي علقت بمومياء التمساح يمكن تأريخها إلى فترة ما قبل العصر البطلمي، قبل القرن الخامس قبل الميلاد. وتلفت المؤلفة الرئيسية للدراسة إلى أن وجود حصوات في المعدة وغياب أي آثار من صنع الإنسان، مثل علامات القطع، على الجلد والأضلاع البطنية، يمكن أن يعد مؤشراً على أن الأمعاء لم تتم إزالتها، أو أنها أزيلت جزئيا فقط. كما يشير عدم اكتمال بعض التماسيح إلى أنها عولجت في مكان آخر، ثم أودعت في القبر.
يعتمد تقدير طول التماسيح وتحديد الأنواع على القياسات والملاحظات التي أجريت على الجماجم والعظام. كما تشير الباحثة إلى أنه لم يكن من الضروري استخدام تقنيات خاصة مثل التصوير الشعاعي والأشعة المقطعية لإجراء الدراسة.
من الجدير بالذكر، أنه اكتُشفت أخيراً عدّة مقابر فرعونية ومومياء كاملة تعود إلى عصر الأسرتين الخامسة والسادسة اللتين حكمتا مصر قبل نحو 4500 عام، في منطقة سقارة القريبة من أهرام الجيزة، غرب القاهرة. وخلال الأعوام القليلة الماضية، كشفت مصر عن كنوز أثرية عدة في مختلف أنحاء البلاد، وخصوصاً في منطقة سقارة، حيث اكتُشف أكثر من 150 تابوتاً أثرياً يعود تاريخها إلى أكثر من 2500 عام.