"خلص" عنوان آخر أعمال المخرج اللبناني الكبير الراحل برهان علوية. أنجزه عام 2007. الفيلم يحمل همّ علوية الذي لا ينتهي، وجرحه الذي لا يلتئم، وقلقه الذي لا يهدأ، على مستقبل غامض مقبل عليه لبنان الحبيب.
"خلص" فيلمٌ محمَّل بمرارة ذكريات الحرب الأهلية اللبنانية، وما خلفته من جرح عميق للبنانيين. جرح يأبى أن يندمل.
انسحب برهان علوية بعد هذا الفيلم بإرادته، ليتوارى عن الحياة الفنية، مسافراً إلى بلجيكا، البلد الذي احتضنه في محنة مرضه اللعين، حتى رحل عن عالمنا في 9 سبتمبر/أيلول الماضي.
رحل علوية تاركاً أعماله الفنية التسعة التي تمتاز بتنوع بين الوثائقي والدرامي. برحيله اكتمل الثلاثي الذي كوّن ملامح السينما اللبنانية الجديدة يوماً ما، وهم مع علوية، الراحلان مارون بغدادي ورندة الشهال.
طغت على أعمال الثلاثة ملامح سينما تضج بالثورية، والتمرد على المألوف. كذلك طغى الحلم بمعناه السياسي العروبي القومي، ولكن برحيله يكتمل الثالوث الحزين أيام زمن الحلم.
قدم لنا علوية فيلمه "كفر قاسم"، وأتبعه بعد هذا بفيلمه الساحر "لا يكفي الله أن يكون مع الفقراء"، وبهذا الفيلم يتعرض علوية لما يُسمى عمارة الفقراء، وبما تحمله من دلالات اقتصادية واجتماعية، ثم قدم تحفته التي لا تنسى فيلم "بيروت اللقاء" عن قصة وسيناريو الكاتب أحمد بيضون، وهو من الأفلام النادرة التي تعرضت للحرب اللبنانية وما أحدثته من متغيرات اقتصادية واجتماعية وطائفية. يتعرض بعمق لما آل إليه لبنان من تقسيم شرقي وغربي حسب الطائفية. قدم الفيلم تحليلاً نقدياً برؤية تقدمية رافضة لهذا التقسيم الذي ينال من وحدة لبنان.
وتبع بعد ذلك بأفلام عن ذات الوجع كـ "رسالة لزمن الحرب" و"رسالة لزمن المنفى".
وبالطبع، أنجز فيلماً عن مصر يدعم توجهاته العروبية الناصرية، عنوانه "أسوان" عن السد العالي، أعظم إنجاز في الحقبة الناصرية.
أصيب في نهايات حياته بمرض ألزهايمر، كما لو كان بإرادة غير واعية مدفوعاً لنسيان مرارة الواقع، والزيف والفجاجة التي ملأت المشهد السياسي بشكل عام.
وقد رحل علوية، ولكنه بقي معنا بأعمال لا تُنسى، بتجلياتها وإبداعاتها وتأملها في واقع قاسٍ ومرير، عبّر عنه باقتدار، وخاصة في فيلمه الأخير "خلص". كان لسان حاله يحمل للمشاهد حتمية الهزيمة وسط هذا الركام، ولكن نحن فيلمنا معه "ما خلصش".