لعب المحتوى الذي ينشئه المستخدمون دوراً أساسياً في تغطية الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي بدأت في فبراير/ شباط الماضي. ونشر الجنود والمدنيون وعمال الإغاثة وغيرهم صوراً ومقاطع مسجلة مباشرةً من ساحات المعارك والقتال، ممّا يجعل هذه الحرب واحدة من أكثر الحروب الموثّقة من الناحية البصرية، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
ولفت مؤرّخ الأسلحة، الذي يستعمل المصادر المفتوحة على الإنترنت لتتبع الحروب الحديثة، ماثيو موس، إلى أنّ "إمكانية الوصول إلى الإنترنت حالياً تسمح للجنود بتحميل مقاطع وصور تعكس التجارب التي يعيشونها في اللحظة الحالية مع الناس".
ويعني توافر الإنترنت بشكله الحالي أنّه يمكن لأيّ شخص تقريباً أن يتعرّف على كيفية العيش في الحرب من وجهة نظر المدنيين والمقاتلين على حدٍّ سواء.
ويقول الجندي الأميركي المولد في الجيش الأوكراني، بول سميث: "هذه ليست فيديوهات مسجّلة لنشرات الأخبار"، متابعاً "الكثير من الفيديوهات التي يستخدمها الصحافيون الآن، حصلوا عليها من أشخاص مثلي، صوروها من خلال هاتف محمول".
وينشر سميث، الذي يستخدم لقب يوري على الإنترنت، بانتظام مقاطع فيديو قتالية على "إنستغرام" و"يوتيوب" ومنصّات أخرى. وحصدت المقاطع التي يبثّها ملايين المشاهدات حتّى الآن.
تشارك ماريا كورينا في مسعى إدارة مركز "زمينا" لحقوق الإنسان للحصول على لقطات جرى التحقق من صحتها، على أمل استخدامها دليلاً في المحاكم الدولية. بالنسبة إلى مستشارة المناصرة الدولية للمركز فإنّ الكم الكبير من اللقطات والتسجيلات يجب أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المساءلة.
وقالت كورينا في حديث مع "واشنطن بوست": "إنه كمّ جيد للغاية لاستعادة العدالة وسد الفجوات التي تسمح بالإفلات من العقاب". وتلفت كورينا إلى أنّ عدّة دول بدأت إجراء تحقيقات جنائية في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا، لكنّها تلفت إلى وجوب الالتزام بمعايير صارمة لاستعمال المقاطع المصوّرة في الخطوط الأمامية كأدلةٍ في قاعات المحاكم.
وشرحت كورينا: "إذا كنا لا نعرف من الذي التقط الصورة أو المقطع بالضبط ومتى قام بذلك، يعني ذلك أنّه لا يمكننا الاستفادة منهما".
ويملك الباحثون طرقاً مختلفة للتحقق من الصور مفتوحة المصدر. يحمل كل ملف بيانات أولية مرتبطة به، وهو توقيع رقمي يوفّر أدلة على وقت إنشاء الملف أو على نوع الجهاز.
تجري مشاركة مقاطع الفيديو والصور وإعادة مشاركتها عبر الإنترنت، عبر استعمال طرق تخفي أو تستبدل في بعض الأحيان البيانات الوصفية الأصلية للملف. إذا لم يجر تضمين بيانات الموقع في البيانات الوصفية للملف، يسعى الباحثون لإيجاد إشارات في اللقطات نفسها قد تدلّ إلى الموقع. يجري تحليل المعالم الظاهرة في اللقطات والطقس وحتّى الظلال ومقارنتها مع لقطات القمر الصناعي والصور الأخرى التي جرى التحقّق منها لتحديد الموقع. وفي كثير من الأحيان يتعين على الباحثين اتخاذ طرقٍ طويلة ومعقدة عبر الإنترنت للعثور على الملف الأصلي.
وبحسب موس، فهناك الكثير من الأمور التي يتعين على الباحثين مراعاتها والتحقّق منها، خاصة أنّه في كثير من الحالات لا يقوم الناس بالتصوير لأهدافٍ توثيقية. كما بالنسبة لبول سميث الذي كان يسجل لقطات من مهامه لرغبته الشخصية في فعل ذلك، قبل أن يصبح أكثر اهتماماً بالجانب التوثيقي بعد نشر صديقٍ له أحد مقاطعه من دون إذنه.
وبالنسبة لموس، فإن القيام بهذا العمل يؤثّر على حياة الأجيال القادمة. وقال: "هناك مجموعة واسعة من الأسباب التي تجعل جمع هذا النوع من البيانات مهماً للغاية. أمّا على المستوى الشخصي فتحركني الرغبة في فهم الطبيعة الإنسانية للصراع والتجربة التي يمرّ بها الناس على الأرض".