تحوّل إحياء اليوم العالمي للمسرح، أمس السبت، في العاصمة اللبنانية بيروت، إلى احتفال حقيقي بعودة الحياة أو ما يُشبهها إلى شارع الحمرا العريق، الشاهد على انقلابات وأيام عز تاريخية يأمل اللبنانيون أن تعود ولو بعد حين، وسط تدهور الحالة الاقتصادية وغياب شبه كامل للحركة الفنية والثقافية.
وفي مسرح المدينة الذي أسسته وتشرف عليه الممثلة والمخرجة اللبنانية نضال الأشقر، عرض بهذه المناسبة فيلم وثائقي للمخرج الشاب عمر نعيم، نجل الأشقر وزوجها المخرج والممثل والفنان التشكيلي فؤاد نعيم، بعنوان "مدينتان".
يمزج الفيلم بين التوثيق للمسرح الأقرب إلى حلم حولته الأشقر إلى مدينة بحد ذاته والواقعية السردية، إذ سلط الشاب الضوء على العلاقة الجميلة والمؤثرة بين والديه اللذين كرسا أيامهما للمسرح والأضواء، ومع ذلك عاشا حياة شخصية حميمية لا أحد يعرف حيثياتها.
ينطلق الشاب في فيلمه المليء بالعواطف والحنين والعفوية المحببة من الاحتفالية الضخمة التي عاشها مسرح المدينة في عام 2016، وتحديداً بين 14 و26 أكتوبر/تشرين الأول، عندما أقيم مهرجان ضخم بمناسبة مرور 20 سنة على تأسيس هذا المعلم البيروتي، الذي زاره كبار الفنانين وأرادته الأشقر ملاذاً آمناً يحضن الفنان "ولو بعد رحيلي، ولهذا السبب دفعت الإيجار مسبقاً لعشر سنوات من اليوم"، وفق ما قالت في إحدى اللقطات.
وفي تلك السنة، كان عمر، الذي يقيم في الولايات المتحدة، يزور لبنان، وقرر أن يوثق كواليس هذا الاحتفال الضخم الذي ضم برنامجاً زاخراً بإبداعات المشاركين فيه.
يروي عمر لـ"رويترز"، في اتصال عبر رابط الفيديو من الولايات المتحدة بعد انتهاء الفيلم، أنه "في سنة 2016، طلبت من نضال الأشقر، والدتي، أن أقوم بتوثيق احتفالية مسرح المدينة التي تتوج عشرين عاماً من النشاط".
وأضاف: "أدركت حينها أنه من خلال وثائقي كهذا، أستطيع أن أعالج الموضوع بشكل يتخطى القصة نفسها، لأنه بدا لي أن هناك موضوعاً لبنانياً بامتياز، أي موضوع من يناضل من أجل الكرامة في الوقت الذي تعمل بلادك على قتلك. وعليه، كان من الممكن أن يعالج هذا الفيلم أي نشاط ثقافي في لبنان".
وتابع قائلاً: "قضية الفيلم الحقيقية هي قضية والدتي، وقد سعيت جاهداً إلى أن أجد لغة سينمائية تعبر عنها. أمضت حياتها تسعى إلى أن تؤثر في المجتمع من خلال الفن، وأن تجعل من المسرح الجامع المشترك للقضايا والناس. وكانت دائما مقاتلة شرسة ضد الظلم واللاعدالة. وقد شاهدت كيف الفساد والظلم يؤلمانها".
"من جهة أخرى، حاولت أن أصنع فيلماً يعكس كل تلك المشاعر المعقدة التي لدينا جميعا عن لبنان.. ورويدا رويداً أصبح الفيلم إلى حد ما صورة ذاتية عن أبي وأمي".
وقبل العرض الذي تخللته الكثير من الضحكات التي أطلقها الجمهور والتصفيق الحار وكلمات إشادة على غرار "تعيش سيدة المسرح" و"آه يا أجمل نضال"، أطلت الأشقر على المسرح مرتدية عباءة حمراء مزخرفة بالخطوط الذهبية، ورحبت بالحضور قائلة: "ما بتعرفوا أديش أنا مبسوطة فيكن، هذا اليوم مخصص للمسرحيين في كل أنحاء العالم".
وأضافت: "نجتمع الليلة حول الحلم، فلولا الحلم لما كنا معا هذا المساء، نشاهد الليلة فيلم (مدينتان) الذي انطلق من مسرح المدينة إلى مدينة بيروت".
وبعد العرض، اتصلت الأشقر بنجلها في الولايات المتحدة لتسمح للحضور بأن يعبر له عن تأثره بهذا الفيلم، الذي يروي قصة مسرح تحول مع مرور الوقت إلى "مدينة ضمن مدينة بيروت الجريحة"، بحسب أحد الممثلين.
(رويترز)