في خطوة غير مسبوقة يمكن أن تؤدي إلى محاكمة واعتقال مئات آلاف البيلاروسيين، كشفت السلطات البيلاروسية عن بدء تطبيق قانون يجرّم مشتركي قنوات "تيليغرام" ومنصات المراسلة المدرجة على قائمة المواقع "المتطرفة". ويسمح هذا القانون بسجن المخالفين لمدة تصل إلى سبع سنوات.
وكشفت قناة "المديرية الرئيسية لمكافحة الجريمة المنظمة والفساد"، التابعة لوزارة الداخلية في بيلاروسيا، على "تيليغرام"، أن المشتركين في قنوات "تيليغرام" التي أعلن أنها "متطرفة" سيُحاكمون بتهمة التطرف.
تبنت الحكومة البيلاروسية قانوناً بشأن "تدابير مكافحة التطرف وإعادة إحياء النازية"، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، لكنها لم تكشف عن فقراته.
وأعلن رئيس مديرية مكافحة الجريمة المنظمة والفساد فيتشلاف أرلوفسكي، أمس الجمعة، في مقطع فيديو على قناة المديرية في "يوتيوب" عن أن "تحديد هوية المسؤولين والمشتركين الأكثر نشاطاً في قنوات ودردشات تيليغرام المتطرفة اكتمل تقريباً... ونواصل توثيق الرسائل المنشورة في برامج المراسلة الفورية والشبكات الاجتماعية التي تشجع النشاط المتطرف، بالإضافة إلى النشاطات الأخرى لمستخدمي الإنترنت للدعوة إلى أعمال الاحتجاج".
يسمح القانون الجديد بمحاكمة المشتركين في قنوات "تيليغرام" كأعضاء في جماعة متطرفة
ويسمح القانون الجديد بمحاكمة المشتركين في قنوات "تيليغرام" والدردشات المتطرفة ــ حسب التصنيف الحكومي ــ بموجب "المادة 361-1" من القانون الجنائي، كأعضاء في جماعة متطرفة. وتنص المادة على معاقبة كل من يؤسس تشكيلاً متطرفاً بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث وسبع سنوات، إضافة إلى معاقبة كل شخص ينضم إلى أي تشكيل متطرف بالسجن ما بين سنتين وست سنوات.
وفي مسعى للتخفيف من تأثيرات القرار الصادم وغير المسبوق، قال أرلوفسكي إن "عدد المشتركين في هذه القنوات المتطرفة ليس بالملايين كما تدعي المعارضة". وأوضح أن "معاقبة المشاركين في التشكيلات المتطرفة قضائياً سيكون انتقائياً وفردياً، وبناء على دور ومساهمة المشترك". وحضّ المسؤول البيلاروسي المواطنين إلى عدم الثقة بالأخبار الكاذبة أو تلك التي تنشرها المصادر الأخرى الموجهة ضد الحكومة.
السلطات البيلاروسية أدرجت أكثر من مائة قناة "تيليغرام" في سجل التشكيلات المتطرفة، لدورها في تظاهرات عام 2020 ضد لوكاشينكو
ومعلوم أن السلطات البيلاروسية أدرجت أكثر من مائة قناة "تيليغرام" في سجل التشكيلات المتطرفة، بعدما لعبت دوراً كبيراً في الدعوة للتظاهرات ضد النظام الحاكم، وفضحت قمع الأجهزة الأمنية للمتظاهرين، أثناء الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد في أغسطس/ آب من العام الماضي، للتنديد بما اعتبرته تزويراً لنتائج الانتخابات لمصلحة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو لولاية سادسة، على حساب المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكا. وخوفاً من قمع السلطات، لجأ كثير من الصحافيين إلى ليتوانيا وبولندا وبلدان أخرى، وأطلقوا مواقع إعلامية، أو قنوات "تيليغرام"، أو تابعوا نشاطهم على مواقعهم القديمة.
وتعدّ أكبر قناة "تيليغرام" ــ صنفت على أنها "متطرفة" ــ هي Nexta Live، ولديها 989 ألف مشترك. وذكرت القناة، في تعليق على "تيليغرام"، أن السلطات تريد إلصاق تهمة التطرف بأكثر من مليون بيلاروسي، وعزت السبب إلى يأس السلطات الأمنية والعسكرية بعد هزيمتها وعجزها عن تقديم خطاب إعلامي مقنع. وخلصت القناة إلى أن الغرض الوحيد من هذه القانون هو زرع الخوف لدى مشتركي القنوات المعارضة ومواقع الدردشة. وأشارت إلى أن السلطات البيلاروسية ليست بحاجة إلى قوانين جديدة لاعتقال المعارضين لتوجهاتها، في ظل الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرجال الأمن.
ونشرت قنوات على "تيليغرام" تعليمات أمنية وطرقاً جديدة تجنب المشتركين فيها من الملاحقة القضائية، ونصحت باستخدام بعض البرامج لهذه الغاية.
مراسلون بلا حدود: بيلاروسيا أخطر دولة على الصحافيين في أوروبا
منذ بدء التسريبات حول القانون الجديد قبل أيام، تفاوتت تقديرات الخبراء والحقوقيين؛ قال أندريه موشالوف، المحامي الذي حُرم من رخصة مزاولة المهنة في بيلاروسيا، إنه من الناحية النظرية يبدو أن محاكمة المشتركين في القنوات وغرف الدردشة "المتطرفة" ممكنة، إنما عملياً يحتاج الأمر إلى حكم قضائي في كل حالة على انفراد. واستبعد المحامي أن تصبح قنوات "تيليغرام" كلها أو وسائل الإعلام أو المحادثات المتطرفة المعترف بها سابقاً مجموعات متطرفة تلقائياً، إذ يجب الاعتراف بها كذلك وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في التشريع.
وفي السياق نفسه، أوضح المحامي الروسي أنطون غاشينسكي، في تصريحات لموقع "ميدوزا"، أن على السلطات البيلاروسية إثبات أن الاشتراك في القنوات "المتطرفة" كان "بهدف ارتكاب جرائم ذات طبيعة متطرفة، والتي لن تكون لدى الغالبية العظمى من المشتركين في قنوات (تيليغرام) هذه الذين يسعون لتلقي المعلومات من مصدر بديل للمعلومات الحكومية".
وفي المقابل، فإن السلطات البيلاروسية يمكنها نظرياً محاكمة المشتركين كلهم، لأن قناة "تيليغرام" معينة نفسها تتكون من مشتركيها، واشتراك أي شخص فيها يعد انخراطاً في عمل "تشكيل متطرف".
تشير منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى أن الساحة البيلاروسية تعيش "على وقع التهديدات وأعمال العنف والاعتقالات الجماعية التي تطاول الصحافيين والمدونين الناقدين، فضلاً عن حجب أبرز المواقع الإخبارية، وفرض الرقابة على الصحافة المكتوبة، وتشديد الإجراءات الرامية إلى تقييد الوصول إلى المعلومات أكثر فأكثر، مما يجعلها أخطر دولة على الصحافيين في أوروبا".
وتلفت إلى أنه "منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، في 9 أغسطس/ آب 2020، لم تدخر الشرطة أي جهد في ملاحقة وسائل الإعلام المستقلة النادرة، في محاولة لمنع تغطية الحراك الاحتجاجي. وتأتي هذه المضايقات الجديدة لتُضاف إلى الضغوط التي تطاول المنابر الإعلامية الحرة منذ سنوات، والتي غالباً ما تجبرها على مغادرة البلاد لمواصلة نشاطها من المنفى، فضلاً عن الغرامات التي تُفرض عليها من كل حدب وصوب، علماً أن القمع لم يصل إطلاقاً إلى مثل هذه المستويات؛ ذلك أن أحكام السجن باتت أطول من السابق والملاحقات القضائية وعمليات التفتيش آخذة في التزايد. وعلى الرغم من هذه المخاطر، ومع تزايد الدعاية الإعلامية الحكومية، يواصل الصحافيون الشجعان الإخبار عن حقيقة التغييرات الجارية في البلاد".
وبإقرار قانونها الجديد المثير للجدل، يبدو أن السلطات البيلاروسية غير القادرة على منافسة الصحافة الحرة وإسكاتها، تتجه إلى استهداف المواطنين، لإجبارهم على الاستماع إلى وجهة نظر وحيدة في واقع أسوأ مما كانت عليه الأوضاع في الحقبة السوفييتية.