لعلّ أحد أبرز مكتسبات الثورة التونسية وسقوط نظام زين العابدين بن علي كان استعادة نقابة الصحافيين استقلاليتها، وسعيها لتحسين ظروف عمل الصحافيين داخل البلاد، بعدما بقيت لسنوات طويلة رهينة للنظام ومصالحه.
أما في بيروت، فبعد تظاهرات 17 أكتوبر/تشرين الأول، حاول عدد من الصحافيين تأسيس كيان نقابي بديل، يحلّ مكان نقابة المحررين التي تخضع بشكل كامل لأهواء السلطة أو ولمسؤولين فيها. هكذا أنشئت نقابة الصحافة البديلة التي لا تزل تحاول تلمس خطواتها الفعلية على أرض الواقع، في ظل تدهور سريع للأوضاع في لبنان.
انطلاقاً من هذا الواقع، تعقد نقابة الصحافة البديلة يوم غد لقاءً افتراضياً بعنوان "العمل النقابي كأداة لمواجهة السلطة وكسر سيطرتها"، يجمع بين نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي والزميلة دجى داود، واحدة من مؤسسي تجمع النقابة البديلة في لبنان.
"التجربة التونسية تختلف عن التجربة اللبنانية"، يقول الجلاصي في حديثه مع "العربي الجديد"، ويشرح فكرته بالقول إن "الساحة الإعلامية هنا منخرطة في السياق التونسي، بعيداً عن المحاصصة الطائفية في توزيع المقاعد، رغم وجود نوع من المحاصصة الحزبية". وهو ما توافق عليه داود التي تقول إنّ هذه المحاصصة تتكشف بشكل أساسي بتأسيس أكثر من نقابة وإرغام الصحافيين على الانتساب إلى هذه أو تلك، بهدف شرذمة العمل النقابي الواحد والفاعل. لكنها تعود وتضيء على عدم إتاحة الانتساب لنقابة المحررين لجميع الصحافيين بسبب عدم فتح جداول التسجيل إلا حسب مزاجية النقيب وأعضاء مجلس النقابة، ورفض انتساب من يخالفون التوجهات السياسية لأحزاب السلطة. من هنا، تقول إن تجمع نقابة الصحافة البديلة في لبنان "هدفه الرئيسي هو جمع الصحافيين في جسم واحد كي يتحدوا ويصبح صوتهم أعلى في الدفاع عن قضاياهم، إلى جانب تأمين خط دفاع عن العاملين في المؤسسات الإعلامية في ظل سيطرة الأحزاب والطوائف على وسائل الإعلام وخطها التحريري".
وكما في تونس كذلك في لبنان، يواجه الصحافيون مصاعب اقتصادية واجتماعية عدة. يقول الجلاصي إن هناك بعض الملفات الشائكة، خصوصاً الملف الاجتماعي ــ الاقتصادي، "إذ يعاني الكثير من الصحافيين التونسيين من وضع مادي هش"، نتيجة الوضع الاقتصادي العام في البلاد. أما في لبنان، فتشرح داود أن "الصحافيين يعانون في لبنان اليوم أكثر من أي وقت من خطر الاستغناء عنهم، وعدم صرف رواتبهم، أو صرفهم تعسفياً من دون دفع التعويضات اللازمة".
لكن إن كان الملف الاقتصادي يعتبر أولوية لمساعدة الصحافيين على مواصلة عملهم بشكل مهني وبعيداً عن إغراءات الرشاوى، وتقديم خدمات "إعلانية/ترويجية" لهذا الطرف أو ذاك، فإن ملفاً آخر لا يقل خطورة يطرح نفسه بقوة، وهو ملف الحريات. "في لبنان تراجع في العامين الأخيرين مؤشر حرية الصحافة، وارتفعت نسبة الاستدعاءات القضائية ضد الصحافيين، خصوصاً عند الكشف عن الفساد أو انتقاد هذا المسؤول أو ذاك... كذلك هناك ملف الصحافيات النساء والتمييز الجندري ضدّهن والتحرش الممنهج في بعض وسائل الإعلام".
في تونس، لا يبدو الواقع مختلفاً تماماً، رغم هامش الحرية الأكبر، وسقف التعبير الأعلى "لنقابة يقظة حيال كل ما قد يمس بحرية الصحافة والحريات بصفة عامة، ورغم ذلك لا أنفي محاولات البعض فرض أجنداتهم على نقابة الصحافيين، وهو ما لا نسمح به وسنتصدى له"، بحسب تعبير الجلاصي.
ومن الحريات تتفرّع إشكالية ترافق العمل الصحافي منذ نشأته: العلاقة مع السلطة. تقول النظرية السائدة في العالم العربي إن العمل النقابي محكوم بضرورة التواصل مع السلطة لحل الإشكاليات العالقة التى تخص الصحافيين، فى حين يذهب آخرون إلى أن النقابات غير مطالبة بالتواصل مع السلطة القائمة وعليها القيام بعملها بكل استقلالية. لا يرى الجلاصي أي تعارض بين الاستقلالية والتواصل مع السلطة، لأن "استقلالية العمل النقابي لا تعني بالضرورة الدخول فى علاقة تصادمية مع السلطة القائمة إذا احترمت هذه الأخيرة حرية العمل النقابي وامتنعت عن التدخل فيه... في تونس مثلاً، العدد الأكبر من الصحافيين المنتسبين للنقابة يعملون فى مؤسسات إعلامية رسمية، لذلك علينا بالضرورة التفاوض مع السلطة للحصول على مكاسب اجتماعية واقتصادية لهؤلاء". وتوافق داود على ذلك على اعتبار أن التواصل مع السلطة في كثير من الأحيان ضروري "لكننا عندما أسسنا التجمع من روحية ثورة 17 تشرين، كان ذلك تحدياً للسلطة ونقاباتها ومؤسساتها التي تنتهك حقوقنا وتمعن في التضييق علينا عبر الاعتداءات في العمل الميداني أو الاستدعاء إلى القضاء والأجهزة الأمنية".