في إطار سعيها لتطوير الخدمات الحكومية الرقمية وجعلها أكثر أمناً ببرامج وجهود محلية، طرحت السلطات الروسية مناقصة لإنشاء "التطبيق الخارق" (super app)، لتزويد نحو 100 ألف مكان عمل حكومي بأحدث التقنيات الرقمية اللازمة للعمل، على أن يضم التطبيق برنامج مراسلة وأدوات لتنظيم مؤتمرات الفيديو، وخدمات البريد والتخزين السحابي وغيرها. وكشفت وزارة التنمية الرقمية والاتصالات الروسية، الأسبوع الماضي، أن قيمة العرض لتطوير "التطبيق الخارق" تصل إلى نحو 500 مليون روبل (الدولار الأميركي = نحو 72 روبلاً). وتأمل في أن يدخل الخدمة حتى نهاية عام 2022. ورأت أنه يزيد من أمن المعلومات واستقلال الإدارات عن مخاطر العقوبات، خاصة أن معظم المسؤولين يستخدمون منتجات "مايكروسوفت".
وعرضت الوزارة المناقصة في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على بوابة المشتريات الحكومية العامة، وقالت إنها تهدف لتطوير القطاع الحكومي، عبر تزويد الموظفين الحكوميين بخدمات الاتصالات الحديثة، ومن ضمنها الهيئات التنفيذية الفيدرالية، ولجنة الانتخابات المركزية، والإدارات الإقليمية، والصناديق الحكومية الممولة من الموازنة. وذكرت الوزارة أنها تريد توفير الخدمات المطلوبة لنحو 100 ألف مستخدم في المرحلة الأولى، على أن يتم التوسع في التجربة لاحقاً لتشمل جميع الموظفين في قطاع الخدمات الحكومية (الموظفون في الإدارات المحلية، والفدرالية) والمقدر عددهم بنحو 2.4 مليون موظف حسب بيانات وزارة المالية للعام الماضي، من دون أن يشمل الموظفين والعاملين في المؤسسات والشركات الانتاجية المملوكة للدولة، والجيش، والأجهزة الأمنية.
وكشف مصدر في وزارة التنمية الرقمية والاتصالات الروسية لصحيفة "كوميرسانت"، يوم الجمعة الماضي، أنّ من المخطط له إطلاق نموذج أولي عملي للتطبيق "الخارق" للموظفين الحكوميين بحلول نهاية عام 2022، وأنّ المرحلة الأولى تتضمّن العمل به في الوزارة ذاتها، إضافة إلى هيئة الإحصاء الروسية "روستات"، وصندوق التقاعد، وفي وزارة الاقتصاد وخدمة المراسلات الحكومية. وأوضح مدير قسم تطوير الخدمات السحابية وإدارة البيانات في وزارة التنمية الرقمية والاتصالات الروسية، كونستانتين غورزوف، للصحيفة، أنّ "الاتصال هو جزء أساسي في عملنا اليومي، لذلك توصلنا إلى مفهوم التطبيق الخارق للمسؤولين، والذي سيضم وظائف المراسلة الفورية، وتنظيم مؤتمرات الصوت والفيديو، والعمل مع المهام والتكليفات، وتبادل الملفات، والتخزين السحابي، وبوابة داخلية، والعمل مع المستندات المكتبية وبرامج مكافحة الفيروسات". وذكر المسؤول الروسي أنّه "يمكن تثبيت التطبيق الخارق على الأجهزة الشخصية لموظفي الأقسام، مع مراعاة متطلبات أمن المعلومات، وكذلك استخدامه من خلال المتصفح" موضحاً أنّ "التطبيق الجديد سيعمل على البرامج الحالية إذ سيتم الانتهاء من تحديث أجهزة النظام لاحقًا". وأشار إلى أنّه "في الوقت الحالي تمتلك السلطات التنفيذية الفيدرالية عدداً كبيراً إلى حدّ ما من أماكن العمل المزودة بالخدمات الرقمية المتطورة، ولن يكون من الضروري إعادة تجهيزها المكلف جداً حالياً".
ومعلوم أنّ وزارة التنمية الرقمية والاتصالات الروسية وضعت مشروع النظام الحكومي لتطوير الخدمات الرقمية للعام الحالي، ونشرته للمناقشة العامة على موقع الحكومة في يونيو/ حزيران الماضي. وبحسب الوثيقة، ستكون الوزارة نفسها هي المشغل للنظام، وتخصص الأموال للمشروع في إطار المشروع الاتحادي "الإدارة العامة الرقمية" للبرنامج الوطني "الاقتصاد الرقمي". ومع مسعى للحاق بركب التطور التقني، وتطوير الخدمات الرقمية، خصصت روسيا في السنوات الأخيرة عشرات مليارات الدولارات لشراء أجهزة الكمبيوتر وبرامج التشغيل المختلفة، ومع ارتفاع المخاوف من الهجمات السيبرانية داخلياً وخارجياً تعمل على تطوير برامج تشغيل وحماية محلية.
ورغم البرنامج الطموح، والموازنات الضخمة، كشف مصدر مطلع على خطط التحول الرقمي للوكالات الحكومية، أنّ أكثر من 54 في المائة من الإدارات تستخدم الآن برنامج "مايكروسوفت إكستشاينج"، وهو برنامج يختص في مجال المراسلة، وإعداد جداول المواعيد، وقائمة الاتصالات والمهام الواجب تطبيقها، ويدعم الهواتف النقالة والوصول لشبكة الإنترنت، للحصول على المعلومات، إضافة إلى دعم وتخزين البيانات. وأشار المصدر لصحيفة "كوميرسانت" إلى أنّه "بسبب العقوبات، تتحرك الحكومة بعيدًا عن الحلول الأجنبية نحو حلول مفتوحة المصدر أو تقنيات محلية". وأفادت بيانات حكومية أن الحكومة أنفقت 2.9 مليار روبل على شراء برامج "مايكروسوفت" في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي. وأكد أليكسي سميرنوف، رئيس مجلس إدارة شركة Basalt SPO، وهي مطور نظام تشغيل محلي مفتوح، على أنه "من المهم أن يتم التركيز في الشروط المرجعية للمناقصة على استخدام البرامج المحلية وأن يجري الانتقال إلى نموذج خدمي لاستخدام البرامج".
تعتمد أغلب الإدارات الروسية على تقنيات "مايكروسوفت"
وتأمل الحكومة الروسية أن يساهم "التطبيق الخارق" في الحدّ من تسريب البيانات، عبر توقف موظفي الخدمة المدنية في روسيا عن استخدام برامج المراسلات الشائعة من أجهزة الكمبيوترات في العمل، رغم أنّ ذلك ممنوع بموجب قانون فيدرالي، وتركيز جميع الاتصالات المهنية بين المسؤولين الحكوميين في أداة واحدة وآمنة.
وفي العام الماضي، رصدت روسيا ما يزيد عن 30 مليار روبل لأمن المعلومات، في إطار البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي للفترة من 2019 وحتى 2024. ويتعلق الجزء الرئيسي من هذه النفقات بإنشاء ما يسمى بـ "الإنترنت السيادي"، وهو هدف يجمع الخبراء أن روسيا ماضية لتحقيقه في السنوات القليلة المقبلة لتسطيع الانفصال عن الشبكة العالمية إن اقتضت الحاجة. كما خصصت الحكومة نحو 452 مليار روبل للفترة ذاتها لبرنامج تحسين وتعزيز "التقنيات الرقمية"، من ضمنها 235 مليار روبل لبرنامج "الإدارة الحكومية الرقمية" الهادف لتحسين وتعزيز عمل مؤسسات الدولة وتأمين التواصل بين فروعها المختلفة. وللحدّ من المخاوف الأمنية وتسرب البيانات، قررت الحكومة في خريف العام الماضي زيادة تمويل المشروع الفيدرالي "أمن المعلومات" التابع للبرنامج الوطني "الاقتصاد الرقمي" في عامي 2022 و2023، 8 مرات، ليصل إلى 16 مليار روبل.
ومعلوم أن روسيا أعلنت في بداية عام 2019 عن إنجاز المرحلة الأولى وبداية اختبار "شبكة التردد العالي الخاصة بنقل المعلومات السرية"، المعروفة لدى الصحافة باسم "الإنترنت العسكري"، والقادرة على تبادل المعلومات على مسافة ما يزيد عن ألفي كيلومتر بسرعة 300 ميغابايت في الثانية. وحسب المسؤولين الروس، تعمل الشبكة العسكرية السرية كشبكة مستقلة تماماً لا تتواصل في أية نقطة مع الإنترنت الخارجي. ويتم نقل المعلومات كلها عبر الأجهزة التابعة لوزارة الدفاع فقط. وحينها أكد ناطق باسم وزارة الدفاع الروسية أن نتائج الاختبار تمكن الخبراء العسكريين من إنشاء شبكة عسكرية فائقة السرعة تنقل المعلومات السرية عبر الأراضي الروسية كلها وتربط بين كافة الوحدات ومراكز القيادة الروسية. وكشف الناطق حينها أنه تم تجريب النظام الجديد بدءاً من سلاح المشاة وانتهاء بالأركان العامة ومنصات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وشدد على أنه من المهم جداً أن تكون الشبكة محمية من الاختراق وتأثير أجهزة الحرب الإلكترونية المعادية. ومن المقرر أن يكتمل مشروع "الإنترنت العسكري" ليشمل كامل الجيش الروسي، وقواته البرية والجوية والبحرية نهاية العام الحالي بعد الانتهاء من تجريبه والتأكد من معايير الأمن.