حازم شاهين... رحلة موسيقية مع العود

02 اغسطس 2024
حازم شاهين: نشأت في بيت يساري يعجّ بالغناء (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **البدايات والتأثيرات الموسيقية**: بدأ حازم شاهين مسيرته الموسيقية في سن العاشرة، متأثراً بوالديه وزيارات الشيخ إمام. أسس فرقة "إسكندريلا" في 2005 لأداء أغاني سيد درويش والشيخ إمام وزياد الرحباني.

- **الهوية الموسيقية والتعليم**: يؤمن شاهين بمواكبة العصر مع الحفاظ على التراث، متأثراً بمحمد القصبجي وفريد الأطرش. يولي أهمية لتعليم العود، وقد تخرج على يديه عازفون محترفون.

- **التجارب والتعاونات الفنية**: تعاون مع موسيقيين مثل زياد الرحباني، وشارك في ثورة يناير بأغانيه. يؤكد على أهمية الفن الصادق الذي يعبر عن المجتمع.

في العاشرة من عمره، حمل الطفل الإسكندراني حازم شاهين عوده الأول الذي ادّخر من مصروفه مالاً لشرائه. وخطا أولى خطواته في تعلّم الموسيقى. منذ ذلك الوقت، أمسى واحداً من أبرز عازفي العود في مصر والعالم العربي.
وُلد حازم شاهين في شتاء عام 1978، في بيت مقابل للبحر في حي كليوباترا الإسكندراني. في عام 2005، عندما كان في العشرينيات من عمره، أسس فرقة "إسكندريلا" التي حضرت في المشهد الموسيقي المصري، ولا سيما أنها عُنيت بأداء أغنيات سيد درويش والشيخ إمام وزياد الرحباني.
أولع حازم شاهين بحبّ الموسيقى العربية. قد لا يخلو حوارٌ معه من حديث عن سيد درويش وزكريا أحمد والشيخ إمام وغيرهم من أهمّ أسماء الموسيقى العربية.
يعلن حازم شاهين باعتزاز أنه اتكأ على هذا الإرث الموسيقي، ولكنه يضيف لمسته الخاصة ولا ينسخ الإرث الموسيقي، ليقدم موسيقى شرقية تتصل بالقديم وتضيف خصوصيتها إليه. أما العود، فهو بالنسبة لشاهين رسالة، أخذ على عاتقه نشرها، إذ اختار إلى جانب العزف والتلحين، تدريس العود.
يؤمن حازم شاهين بضرورة مواكبة العصر فنياً، لكنه يقف على أرض صلبة من الاهتمام بتراث الكبار السابقين، يعتبر أن محمد القصبجي وفريد الأطرش يمثلان روح الآلة. ويعترف بأنهما كانا صاحبي التأثير الأكبر في نفسه وفي أسلوب عزفه.
وعُرف شاهين بأنه من تلك الثلة التي حرصت على تعليم الأجيال الجديدة فنون عزف العود، فأعطى التعليم جزءاً كبيراً من وقته وجهده، وتخرّج على يديه عدد من العازفين المحترفين.
تعددت رحلات شاهين إلى الخارج، سواء بمفرده لعرض فنه في العزف العود، أو مع فرقة إسكندريلا لتقديم أعمالها المعروفة، فزار فرنسا وإيطاليا وألمانيا ولبنان ولندن واسكتلندا وسورية والأردن وتونس والبحرين والكويت.
في حوارنا معه، يستحضر حازم شاهين بعض الذكريات من طفولته ويشاركنا ظروف نشأته، متوقفاً عند مراحل مختلفة من مسيرته الفنية.

كيف صنعت هويتك الموسيقية الخاصة؟
لم أصنع هويتي الموسيقية وإنما تربيت عليها. نشأت في بيت يساري يعجّ بالغناء. كان لوالدي اهتمام فني، إذ كبرت على صوت فريد الأطرش، فأبي كان مولعاً بموسيقاه. أما أمي فكانت تهوى أغنيات فيروز، إضافة إلى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. كما أن أغلب أصدقاء عائلتي من الفنانين والأدباء. ومن بين زوّار بيتنا كان الشيخ إمام عيسى، من هذا المناخ حاولت استقاء الصدق في فنّي.

ذكرت مراراً أن الشيخ إمام كان صديق أسرتك. احكِ لنا أكثر عن البيت الذي نشأت فيه؟
تربيت في بيت العائلة ومنازل أصدقائها. كان الشيخ إمام يزور البيت الأكبر بينها. لديّ ذكرى في منطقة سكنّا فيها، وهي منطقة الظاهرية الشعبية في الإسكندرية، حيث كان الشيخ إمام يغنّي في بيت أصدقاء أسرتي، الذين بدورهم وضعوا مكبّر صوت في الحيّ، وصار صوت الشيخ إمام يصدح من كلّ حدبٍ وصوب، وبدأ أهالي الحي الغناء معه.
تنقّلنا كثيراً بين البيوت. لم أعش طويلاً في منزلٍ واحد. أقمنا الوقت الأطول في منطقة شعبية قديمة جداً في إسكندرية اسمها باكّوس. هذا البيت له مكانة خاصة في قلبي. أحببت الانتماء لهذا الحيّ، واكتسبت منه عادات إيجابية، مثل أن الناس لا بدّ أن يكونوا متعاضدين، ولكن لا يخلو الأمر من جوانب أُخرى سلبية، إذ كان أهالي الحي في البداية يشعرون بأننا غرباء عنهم، فبيتنا كان مزاراً لفنانين كثيرين.
في المدرسة الحكومية التي تلقيت تعليمي فيها، شعرت بأنني مختلفٌ عن زملائي. كانت هنالك فجوة كبيرة بين مزاج بيتنا المولع بالموسيقى والمدرسة. هذه المرحلة تركت آثاراً في شخصيتي حتى الآن أحاول تخطيها أو التصالح معها. كما أن لها آثاراً في فنّي، ولا سيما من خلال طقوس الأفراح والمناسبات الشعبيّة التي عرفتها في ذاك الحيّ.

كيف كان الشيخ إمام يبدو بعينَي حازم شاهين الطفل؟
واظبت على رؤية الشيخ إمام منذ صغر سنّي حتى رحيله. انقطعت عن رؤيته نحو أربع سنوات، لم يزر فيها الإسكندرية بسبب ظروف سفره. أذكر أني نظرت مرة نحو نظارته السوداء في طفولتي ورأيت من خلفها عيناً عسلية.
بعد أن تعلّمت عزف العود، لم التقِ به سوى مرة واحدة شعرت، حينها، بأن موته بات وشيكاً. وعندما قابلته اكتشفت أن قامته أطول مما خيّل إليّ في طفولتي، كما فوجئت بأنه بلا عين.
أعتقد بأني في طفولتي رأيت روحه من خلال عينه التي تخيلتها. بالنسبة للطفل يمكن أن أكون قد أكملت الصورة المنقوصة، لأنني لم أستطع إدراك فكرة عدم وجود عين، ومن خلالها أخال أني استطعت رؤية روحه. اليوم أدرك أني تأثرت بالشيخ إمام من دون أن أعرف توجهاته السياسية. تأثرت به فنياً، وبطاقته الاستثنائية وقوّة روحه.

اقتنيت أول عود بعمر 11 عاماً. هل هناك علاقة بين حضور الشيخ إمام في طفولتك ورغبتك بتعلم عزف العود؟
للشيخ إمام أثر كبير في لاوعيي، فهو من زرع صوت العود في أذنيّ، كما أن والدي كان على معرفة شخصيّة بفريد الأطرش، إذ كان أبي من مريدي فريد، حتى أنه لم يطرِ عليّ أبداً بتشبيهي بفريد، فهو يعتقد بأنه حالة فنية لا يمكن بلوغها، بالمقابل كان ينصحني بتكوين شخصيتي الموسيقية الخاصّة.
حبّ العود أتاني من الأطرش والشيخ إمام. لا أعرف من أثر بي أكثر من الآخر، كل ما أعرفه أني أفرح لسماع صوت العود منذ صغري. ما يجمع فريد الأطرش والشيخ إمام هو صدق فنهما، فالشيخ إمام كان متطوراً جداً في أفكاره حول عزف العود، ولكن يديه لم تكن تساعده، إلا أنني استفدت كثيراً من أفكاره.

يقول عازف العود العراقي منير بشير في مذكراته إن هنالك إشارات قدرية جعلت منه فناناً. هل تؤمن بإشارات من هذا النوع جعلت منك موسيقياً؟
لا أعلم. ربما لو لم ألتقِ بالشيخ إمام، ولو لم يكن والدي يحب فريد، ولو لم يزر فاروق الشرنوبي بيتنا، لما أصبحت موسيقياً. ولكن أعتقد أن الموهبة تولد مع الإنسان، وممكن أن تتحقق بشكل من الأشكال، لو لم تتجلّ بالموسيقى، ربما كانت لتظهر في الرسم أو النجارة على سبيل المثال. ثمة مجالات عدّة كنت مهتماً بها، كالرسم وعزف الإيقاع. أعتقد بأن ما صرت عليه تحقق طبيعياً بعيداً عن الصدف. سماع صوت العود ملأ حياتي وملأ أذني وأشعل الشغف في وجداني، فذهبت إليه. كنت أتبع من يحمل عوداً، وهكذا أسرني صوت العود.

نشأت في الإسكندرية. المدينة الملهمة لفنانين كثيرين، مثل سيد درويش في الموسيقى، وفي السينما يوسف شاهين، والشاعر بيرم التونسي. في أغنيتك "إسكندرية" التي كتب كلماتها الشاعر أحمد حداد، تبدأ بالغناء "يا ملهمة فنان طليق". كيف ألهمتك هذه المدينة؟
عشت في القاهرة أكثر ما عشت في الإسكندرية. عندما كنت في الإسكندرية اعتدت زيارة البحر يومياً، كنت أجلس صامتاً بعيداً عن القلق، أفكر بحرّية. كنت أشعر بالأمان. لم أملّ إطلاقاً من عادتي هذه، بل أحببت هذا الطقس بشدة، خصوصاً في فصل الشتاء. كنت أجلس أمام البحر وتحت الشمس، أمعن النظر في البحر والسماء. الإسكندرية ذات رائحة مميزة وطاقة خاصة. ما يلفتني هو إضاءتها التي لم أرَ مثلها في مدن أخرى قط، للإسكندرية ألوانها أيضاً. طوال مدة عيشي في هذه المدينة كنت أشعر بأنني في نعمة، وكنت أدع نفسي على سجيتها. الإسكندرية تشبه "البنت الشقيّة"، فيها شقاوة وسحر ونور. مدينة غريبة، حتى بعد أن تغيّر كثير من ملامحها، لا تزال تحتفظ بسحرها.
الإسكندرية في الماضي "كانت عاملة زي Google"، فيها كل شيء؛ ثقافات وجنسيات متعددة، وثلاثة أديان، وآثار، وأرض زراعية، وبحر، وصيادون، وفلاحون، بالإضافة إلى مكتبتها، والأوبرا. هذا كلّه ملهم بالنسبة لأي فنان. وهذا جزء من ذاكرة الشعب الإسكندراني.

ما ذكرته يؤثر بطبيعة الحال في شكل الفن المنتج. بالنسبة إليك أنت ابن المدينة ذات الخصوصية الثقافية، وأيضاً عملت مع موسيقيين من ثقافات مختلفة، لعلّ أبرزهم زياد الرحباني. كيف ساهم هؤلاء الموسيقيون بإدخال مفردات جديدة إلى قاموسك الموسيقي؟
أحببت سيد درويش والشيخ إمام وعبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش طوال حياتي، كما أحببت بيتهوفن رغم اختلاف ثقافته. عدا عن ذلك، كبرت على صوت فيروز التي أدخل صوتها زياد الرحباني إلى بيتنا.
سمعت موسيقاه ولم أعرف حينها أن المؤلف اسمه زياد الرحباني. وجدت آنذاك أن هذه الموسيقى تشبهني. شعرت بأنه من أقربائي، وأن فيروز بألحان زياد أقرب إليّ من أي وقت آخر. شعرت بأن هذه الألحان تشبهني وتشبه سيد درويش وعبد الوهاب وبيتهوفن، مع اختلاف طرقهم.
عندما كبرت ووصلنا شريط "أنا مش كافر"، سمعت زياد، وعرفت أنه هو ذاته ملحن "بعتلك يا حبيب الروح"، و"ميس الريم"، و"ع هدير البوسطة"، فاشتريت نسخاً من أشرطته. لم أشعر قطّ بغربة تجاه ألحانه، أثر بي كثيراً عندما كبرت. تأثير لم يكن ليتحقق في هذا العمر لو لم يرافقني منذ البداية.
زياد الرحباني له فضل كبير عليّ من دون أن يعلم. جمله الموسيقية إنسانية جداً وأليفة جداً، وفيها الطرب الشرقي، على الرغم من الاعتقاد السائد بأن معظم موسيقاه من الجاز. أحدث الرحباني جديداً على صعيد التوزيع، فتوزيعه عبقريّ، بالإضافة إلى ارتباطه بالقضايا الإنسانية والعاطفية. أعتقد بأن موسيقاه لم تفهم حتى الآن.
بالنسبة إليّ، زياد فنان مجدد، وسيعيش كالفنانين المؤثرين، وسيصبح واحداً منهم. فموهبته غير مسبوقة، وإلى جانبها لديه عبقرية، فالعبقرية وحدها لا تعني الموهبة، ولكنها تساعد الموهبة في أن تنتج أسرع، وتجعل صاحبها مدركاً أن ذكاءه عال.

هل أخبرته عن إعجابك هذا، عندما بدأت التعاون معه؟
نعم، في بداية تعارفنا، قلت له "إحنا أصحاب".

ذكر زياد الرحباني في إحدى مقابلاته أنك قادر على أداء بعض الأغاني التي لحنها لجوزيف صقر. ما وجه التقارب الذي وجده بينكما؟
هنالك عامل مشترك بيني وبين زياد الرحباني وهو التركيز، وهذه من العوامل المشتركة في النشأة. زياد معجب بالشيخ زكريا أحمد وسيد درويش، ويحب مصر، وعندما زار الشيخ إمام لبنان قابله وغنّى معه.
وعندما التقينا بمشروع إعادة أداء الأغاني التي لحنها زياد لجوزيف صقر، وجدنا أرضاً ثابتة مشتركة لتعاوننا. وفي الوقت ذاته كنت بدوري مستمعاً لموسيقى الأخوين الرحباني وفيروز، لذا لم أشعر بأيّة غربة.
في ما يخصّ أغاني جوزيف صقر، فإنها تقوم على الأداء التعبيري وليس التطريبي، ونوع الغناء هذا ليس سهلاً. بالنسبة إليّ، ليس لدي إمكانيات طربيّة، ولكني بالمقابل متمكن من الأداء وهذا ما تعلمته من سيد درويش والشيخ إمام، ومن أم كلثوم أيضاً؛ فهي متمكّنة من الأداء والتطريب على حدٍّ سواء. سيد درويش هو من ابتدع هذا النوع من الأداء التعبيري، الذي لا يعتمد على إمكانيات الصوت، وإنما على الأداء والتعبير والموضوع والحكاية، وهذا ينطبق على اللحن أيضاً ولا يقتصر على أداء المغني، وأنا مثل زياد الرحباني من أبناء هذه المدرسة.

لو حاولت التعبير موسيقياً عن الإسكندرية ما اللحن الذي تجده يتفق وروح المكان؟
لحن "حاجات وحشاني" وأغنية "إسكندرية". ابتدعت لحن "حاجات وحشاني" ووجدت أنه يشبه المدينة. كنت أنوي التعبير فيه عن طفولتي. هذا اللحن يذكّرني بفترة قضيتها في بيت مطلّ على البحر في حي كليوباترا الإسكندراني. عشت في هذا البيت السنوات الخمس الأولى من حياتي، وما زلت أفتقده حتى الآن. وعندما أتتني الفرصة لتفريغ هذه المشاعر من خلال مقطوعة، ألفت "حاجات وحشاني"، واقتبست اسمها من قصيدة للشاعر بهاء جاهين اسمها "ما فيش حاجات وحشاني".

في عام 2005 أسست فرقة "إسكندريلا"، إلامَ آلت فرقتكم؟
ذكرياتي مع الفرقة أصبحت مرهقة، ليس بإمكاني تخيّل أن كل ما قدمناه بات ذكرى. "إسكندريلا" تحتاج إلى إعادة تشكيل، لكننا عدنا لإحياء حفلة في مئويّة سيد درويش منذ أشهر.

كيف تحولت "إسكندريلا" من مجموعة موسيقيين أصدقاء إلى فرقة. احكِ لنا عن أول حفلة جماهيرية لكم؟
- أسست "إسكندريلا" مع الموسيقي شادي مؤنس، وعازف العود أشرف نجاتي، وهاني بدير، ونوار عباس. كنت حينها أعلّمهم العزف في بيت العود. وعند الانتهاء من الدروس، كنا نكمل السهرة في بيت أصدقائنا ونغني لسيد درويش والشيخ إمام وزياد الرحباني. فجأة أصبح كثير من الأصدقاء يحضرون سهراتنا.
يوماً بعد يوم، أخذت السهرات تتسع وتستقبل أناساً كثيرين، حتى تحولت إلى حفلات شبه يوميّة غير منظمة.
بعدها، اقترح شادي أن ننظم حفلة في ساقية الصاوي. سألونا عن اسم الفرقة، ولم نكن اخترنا اسماً لها. فاقترح "إسكندريلا"، الاسم الذي كنّا قد استخدمناه مسبقاً لفرقة أسستها مع مجموعة من الموسيقيين الأصدقاء الإسكندرانيين، والاسم مقتبس من قصيدة للشاعر خميس عزّ العرب.
"إسكندريلا" السابقة كانت مكونة من مجموعة من الشباب يجمعهم سيد درويش، وما عدا ذلك كل منا يغني مزاجه الموسيقي. هذه الفرقة نالت شهرة وجماهيرية كبيرتين في الإسكندرية، ولكن جميع أعضائها هاجروا. وبعدها بسنوات قررنا تأسيس "إسكندريلا" جديدة في القاهرة ذات اتجاه أوضح.

سبق تأسيس "إسكندريلا" انفتاح موسيقي، فظهرت أجناس موسيقية عدة في المشهد الموسيقي المصري، إلى جانب البوب، هناك الراب، والروك، والجاز. ألم تخشَ أن تحدث "إسكندريلا" قطيعة مع الجيل الجديد؟
لم تحدث أيّة قطيعة مع الجيل الجديد، لأنه كان متعطشاً لهذا النوع من الفنّ، وحفلة بعد أخرى أصبحت "إسكندريلا" تنال جماهيرية أكبر بين الجيل الشاب. لذلك، عندما أتت الثورة الناس شعروا بأننا صادقون. فرقتنا كانت الأكبر في زمن الثورة، كنا مشهورين قبل يناير 2011.
عرضت علينا إعلانات لكننا لم نوافق على العمل بها، لأنها لا تتوافق وتوجهاتنا. ولكن لا يمكن أن أنفي أن الأمر انعكس سلباً على "إسكندريلا"، لأن الإنتاج الموسيقي يحتاج تمويلاً ورعاة، ويساعد على استقطاب عدد أكبر من الجمهور.
في الحقيقة، مبادئنا والصورة التي صدّرناها للناس أثرت بمسار الفرقة. كان من المفترض أن نجد طريقة أخرى نحاول فيها الاستمرار بتقديم فننا من دون تقييده، أو جعله رهيناً بالمادّة.

في ثورة يناير وصلت "إسكندريلا" أوجها. إذا التفتَ إلى زمن الثورة، وبالتحديد مع أغنية "صفحة جديدة"، ماذا كنت تأمل؟
كنت آمل بالحرية، وأن يتبدل الحال للأفضل، كانت مشاركتي في ثورة يناير لا بدّ منها، مع أني لا أنتمي إلى أي حزب.
حضرنا في الشارع قبل أن نظهر على التلفزيونات، فكنا إلى جانب أولئك الذين يقضون نحبهم في ميدان التحرير. أكثر ما آمنت به هم الشهداء بمختلف أطيافهم. أما على صعيد لحن "صفحة جديدة"، اخترت لحن البياتي، وهو مقام عربي يقوم عليه بعض الترانيم المسيحية والتلاوة الإسلامية، استوحيته من الفلكلور، ولكن بما يتناسب مع العصر. ولكن، يمكنني القول إن الثورة الفنية التي بدأنا بها لم تكتمل حتى الآن.

بالنظر إلى مسيرة الأغنية السياسية في مصر، نرى أن كما لكل ثورة قادتها، لكل ثورة موسيقاها. على سبيل المثال، ثورة سعد زغلول رافقتها موسيقى سيد درويش، وكان صوت الشيخ إمام مناهضاً لقمع السلطات. في ثورة يناير كنت من الأصوات التي غنّت بميدان التحرير، ما رأيك في تسميتك "صوت من ثورة يناير"؟
يشرفني أن أكون صوتاً من الثورة، بيد أن مغني الثورة هو الشيخ إمام، وأغنياته كانت الأكثر شعبية. بالنسبة إليّ، أعتبر أني أعدت اكتشاف تأثير الشيخ إمام على الجمهور أثناء الثورة، فأنا شاركت مع الناس في الساحة.
ثورتي كانت فنيّة، ولم أبتعد عن الثورة الاجتماعية، لأني بهذا الشكل سأكون منعزلاً عن المجتمع. ولكن بالنسبة إليّ الثورة الفنية هي الأكبر، لأنها تغير الناس، حتى عن طريق الموسيقى الآلية، فموسيقى بيتهوفن على سبيل المثال ثورة على صعيد الموسيقى العالمية، إذ أثرت بمسار الموسيقى العالميّة، كذلك الأمر بالنسبة لسيد درويش.
"إسكندريلا" بالنسبة إليّ ثورة فنية على الاتجاه الواحد السائد في مصر، فنحن بدأنا بالأغنية الجماعية. حتى على صعيد عملي الفردي تعلمت أن أنتمي لثقافتي ولا أحاكي ثقافة مستوردة.

في نهاية الأمر الثورات تنقضي، هل يتحول موسيقيو الثورات أيضاً إلى حالة من الماضي؟
من الضروري أن يعبر الفنان عن مجتمعه، لكن ليس من حقه أن يقيد الفنّ بموضوع واحد، الفن حرّ لا يرضخ للتأطير.
أعتقد أنه علينا أن نبقى ضمن مبادئنا ومجتمعنا، ولكن لا يحق لنا أن نحبس الفن، لأنه سيخلّد مدى الحياة لو منح الفرصة وكان صادقاً، لكن في حال ارتبط بظرف فسيزول بزوال الظرف.

ألم تفرض الحداثة ومعطيات العصر شكلاً أكثر عصريّة للأغنية الثورية خلال ثورة يناير؟
أنا ضد تصنيف الفن، رغم أن بعض ما غنيته يمكن أن يصنّف ضمن ما يسمى بالأغنية الثورية، لكن مع ذلك أرى أن الفن لا يصنّف. العولمة والتكنولوجيا الحديثة التي دخلت عالم الموسيقى هي سلاحٌ ذو حدّين، وذلك وفقاً للفنان وكيفية تطويعه لها.
إذا ارتبط الفنان بثقافته وتمسّك بها، سيقدم موسيقى وليدة لهذه الثقافة ولكن بقالب عالمي. وفي حال ابتعد عن ثقافته وقلّد موسيقى مستوردة من ثقافة أخرى، سيكون نسخة عن الآخر، من دون هوية، وسيتحول إلى شخص مدّع. الأمر يتوقف على الموسيقى التي سيؤلفها الفنان. آمل أن يقدّم الفنان من خلال منتجه الفني بعيداً عن القوالب والمصطلحات.

كيف ترى المشهد الموسيقي بعد الثورة؟
- هناك موسيقى جيدة وأخرى متأثرة بالغرب. "إحنا لما نشوف خواجا بيرقص بلدي منضحك عليه". بالتأكيد نشعر بالغبطة لأنه معجب بثقافتنا، ولكن المشهد لا يخلو من كوميديا، لأنه لن يدرك ثقافتنا تماماً، ولن يرقص مثلنا. الأمر ذاته ينطبق على الموسيقيين الذين يمزجون اللحن الغربي بالكلمات العربية، فهم متأثرون بالخواجا الأجنبي.

أما زياد الرحباني، على سبيل المثال، طوّع الأوركسترا لموسيقى من ثقافتنا، وسيد درويش أيضاً استخدم البيانو والفلوت وآلة النفخ النحاسية، ولكن ظلت موسيقاه عربية. وعبد الوهاب أيضاً من بعده ألّف موسيقى عربية أيضاً في فترة الاقتباس من الغرب، هنالك أجيال من المؤلفين الموسيقيين الذين استخدموا صيغاً موسيقية آلية غربية باستخدام أوركسترا لإعادة صياغة بعض المقطوعات الفلكلورية بأداء أوركسترالي. من وجهة نظري أول من استخدم الصيغ الغنائية العربية بالاستعانة بالعلوم الأوروبية هو الموزّع أندريا رايدر، الذي طوّع الموسيقى الغربية عن طريق التوزيع لتستسيغها الأذن العربية، وظهر من بعده علي إسماعيل. هذان الموسيقيان أفضالهما كبيرة على الموسيقى العربية، إذ طوّعا العلم الأوروبي لتطويرها.

ما الذي تعتبره الأكثر خصوصية في مسيرتك؟
العود، العود هو أنا. العود يجري في دمي، أفكر عن طريقه بكل لحن أؤلفه، سواء في الغناء أو في الموسيقى الآلية. العود صديقي الذي أحب، ذو الفضل الكبير عليّ.

المساهمون