استمع إلى الملخص
- استخدمت الدراسة الفئران المجهزة بأقطاب كهربائية وكاميرات لتتبع حركة العين، مما أتاح تحديد بنية دقيقة في الدماغ تفصل بين عمليات ترسيخ الذاكرة، حيث تنشط الذكريات الجديدة عند انكماش الحدقة وتُعاد القديمة عند اتساعها.
- تشير النتائج إلى تأثيرات كبيرة على علم الأعصاب والتكنولوجيا، مما قد يساعد في تطوير تقنيات لتعزيز الذاكرة لدى البشر وتحسين كفاءة الشبكات العصبية الاصطناعية.
كشف باحثون عن ارتباط بين حركة حدقة العين وقدرة الدماغ على تكوين وترسيخ الذكريات طويلة الأمد. تكشف النتائج التي نشرت في 1 يناير/كانون الأول، في مجلة Nature، أن انكماش حدقة العين واتساعها أثناء مراحل محددة من النوم غير المرتبط بحركة العين السريعة، يلعب دوراً محورياً في كيفية معالجة الدماغ وتخزين الذكريات الجديدة والقديمة من دون تدخل. يمكن أن يمهّد هذا الاكتشاف الطريق لتقنيات تعزيز الذاكرة المتقدمة لدى البشر، وتحسين كفاءة الشبكات العصبية الاصطناعية في علوم الكمبيوتر.
ركزت الدراسة على فهم كيفية تجنب الدماغ حالة النسيان الكارثي، وهي الظاهرة التي يحل فيها ترسيخ الذكريات الجديدة محل الذكريات الموجودة. من خلال دراسة الفئران المجهزة بأقطاب كهربائية في الدماغ وكاميرات مصغرة لتتبع العين، حدد الباحثون بنية دقيقة غير معروفة سابقاً في الدماغ تفصل بين عمليات ترسيخ الذاكرة أثناء النوم. على مدار شهر، درّب فريق البحث مجموعة من الفئران لأداء مهام مختلفة، مثل التنقل في متاهة لجمع الماء أو مكافآت البسكويت. بعدها، جهّزوا الفئران بأقطاب كهربائية في المخ لمراقبة النشاط العصبي وكاميرات تجسس صغيرة موضوعة أمام أعينهم لتتبع حركة حدقة العين. في يوم محدد، تعلّمت الفئران مهمة جديدة، وبينما كانت نائمة، سجلت الأقطاب الكهربائية والكاميرات نشاط أدمغتها وتغيرات حدقة العين.
الذاكرة في مراحل النوم
اكتشف الباحثون أن تعزيز الذاكرة يحدث أثناء مراحل فرعية قصيرة جداً من النوم غير المرتبط بحركة العين السريعة، والتي تستمر لمدة تصل إلى مائة ملّي ثانية. هذه اللحظات قصيرة جداً، إذ لا يمكن للبشر اكتشافها، لكنها ضرورية للدماغ لمعالجة وتخزين المعلومات. تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة، أزهارا أوليفا، أستاذة علوم الأعصاب والسلوك في جامعة كورنيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "النوم غير المرتبط بحركة العين السريعة هو الوقت الذي يحدث فيه تعزيز الذاكرة الفعلي. أردنا الحصول على إجابات لأسئلة: كيف يوزع الدماغ هذه الفحوصات للذاكرة التي تكون سريعة جداً وقصيرة جداً طوال الليل؟ وكيف يفصل ذلك بين المعرفة الجديدة الواردة، بطريقة لا تتداخل مع المعرفة القديمة الموجودة بالفعل في أذهاننا؟".
وكشفت التسجيلات أن البنية الزمنية للنوم لدى الفئران أكثر تعقيداً وتنوعاً مما كان يعتقد سابقاً، وتشبه مراحل النوم التي لوحظت لدى البشر. من خلال مقاطعة نوم الفئران في لحظات مختلفة، واختبار تذكرها للمهام المكتسبة، تمكّن الباحثون من تحليل عمليات ترسيخ الذاكرة. ووجدوا أنه عندما يدخل الفأر مرحلة فرعية محددة من النوم غير المرتبط بحركة العين السريعة، تنقبض حدقة العين، وهذا هو الوقت الذي يُعاد فيه تنشيط المهام المكتسبة حديثاً، أو الذكريات الجديدة، وترسيخها. وعلى العكس من ذلك، يُعاد تشغيل الذكريات القديمة ودمجها عندما تتسع حدقة العين. توضح أوليفا: "إنه مثل التعلم الجديد، المعرفة القديمة، التعلم الجديد، المعرفة القديمة، وهذا يتقلب ببطء طوال النوم. نقترح أن الدماغ لديه هذا المقياس الزمني الوسيط الذي يفصل التعلم الجديد عن المعرفة القديمة".
نتائج هامة
يشير المؤلفون إلى أن لهذه النتائج تأثيرات كبيرة على علم الأعصاب والتكنولوجيا. فمن خلال فهم كيفية تجنب الدماغ طبيعياً النسيان الكارثي، يمكن للباحثين تطوير تقنيات لتعزيز الاحتفاظ بالذاكرة لدى البشر، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من اضطرابات مرتبطة بالذاكرة مثل مرض الزهايمر. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تساعد معلومات الدراسة علماء الكمبيوتر في تصميم شبكات عصبية اصطناعية أكثر كفاءة يمكنها التعلم والاحتفاظ بالمعلومات من دون الكتابة فوق البيانات المخزنة مسبقاً. وتلفت المؤلفة الرئيسية للدراسة إلى أن هذه النتائج تفتح آفاقاً جديدة لاستكشاف كيفية تحسين توطيد الذاكرة لدى البشر. وتوفر مخططاً بيولوجياً لتحسين خوارزميات التعلم الآلي، ما يجعلها أقدر على التكيف.
وتتحدى الدراسة الافتراضات السابقة حول بساطة النوم غير المرتبط بحركة العين السريعة وتسلّط الضوء على الآليات المعقدة للدماغ لإدارة الذاكرة. من خلال تحديد دور حركة الحدقة في هذه العملية، قدّم الباحثون إطاراً جديداً لفهم كيفية موازنة الدماغ لتخزين المعلومات الجديدة والقديمة. تؤكد أوليفا أن "قدرة الدماغ على فصل هاتين المرحلتين الفرعيتين من النوم، باستخدام بنية دقيقة غير معروفة مسبقاً، هي ما يمنع النسيان الكارثي. هذا الاكتشاف لا يعمق فهمنا للذاكرة فحسب، بل يؤكد أيضاً أهمية النوم في الوظيفة الإدراكية".