فوجئت الفلسطينية إيمان زايد بمدى دقة ملامح العمارة الإسلامية التي ترجع للعهد العثماني وتفاصيل البناء المملوكي في قطاع غزة، بعد زيارتها عدداً من الأماكن الأثرية والتراثية، ضمن مبادرة "حكاوي غزة" التي أثرت معلوماتها التاريخية حول آثار بلدها.
تقود مبادرة "حكاوي غزة" السكان والزوار، عبر رحلات ومسارات ميدانية، نحو الأماكن الأثرية والتراثية لاستكشاف آثارها، ومعرفة تفاصيلها، والمعلومات المتعلقة ببنائها ونشأتها وتاريخها، إلى جانب معرفة مختلف الأحداث التي حلت بها على مر الزمان. تسعى المبادرة إلى استقطاب أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين، لزيادة وعيهم الثقافي بمرافقهم الأثرية التي تمثل في مجملها حضارتهم القديمة، كذلك تشجيع الإقبال على تلك الأماكن، وسط العزوف الكبير عن زيارتها بفعل الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي يمُر فيها قطاع غزة، نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ ستة عشر عاماً.
وتقول المشاركة إيمان زايد لـ "العربي الجديد" إنها تعرفت إلى معلومات للمرة الأولى، خلال جولتها مع فريق "حكاوي غزة"، على الرغم من أنها تسكن في منطقة غزة القديمة، مضيفة "كنت أعرف أن المنطقة فيها الكثير من الآثار والأعيان القديمة، لكنني ذُهلت من التفاصيل الدقيقة والاحترافية للبناء، كذلك تعرفت على حكاياتها وأحداثها على مر التاريخ".
تحمل المبادرة الفلسطينيين إلى تراثهم وتاريخهم، بعد تجمّعهم صباحاً أمام بوابة بلدية غزة القديمة، لاستكشاف خبايا قصر الباشا التاريخي الذي يعود إلى العصر المملوكي، ومن ثم إلى الجامع العمري الذي يُعد أكبر المساجد الأثرية في غزة، وإلى جانبه مسجد السيد هاشم، والزاوية الأحمدية، وبعدها إلى استكشاف التاريخ المسيحي في فلسطين، من خلال زيارة كنيسة بيرفيريوس، ودير القديس هيلاريون.
وبعد إطلالة عميقة على غزة من الأعلى، ينزل رواد المبادرة عن تلة المنطار القديمة، في مسار ميداني نحو زيارة الأسبطة، وفي مقدمتها سباط العلمي وسباط كساب، ثم إلى حمام السمرة، فيما تتجه المجموعة إلى خارج حدود المدينة، لزيارة محمية وادي غزة وسط القطاع، في طريقهم نحو تلة زعرب، ومتحف القرارة الأثري، والقرية الريفية، ومقبرة الإنكليز، وباقي الأعيان الأثرية والقديمة، المُمتدة من شمال القطاع، حتى جنوبه.
يقول الفلسطيني عبد العزيز البلبيسي، وهو صاحب فكرة المبادرة، إن الفكرة جاءت من دون تخطيط مُسبق، حين كان يصطحبه والده، وهو باحث أثري ومُختص في الأماكن الأثرية والتاريخية، خلال جولاته على المناطق القديمة، ما دفعه إلى التفكير بضرورة تنفيذ مُبادرة للتعريف بتلك الأماكن، وقد شجعه على ذلك عدم معرفة الكثير من أصدقائه بتفاصيل تلك الأماكن، وحكاياتها وتاريخ نشأتها.
تستهدف المُبادرة، وفق حديث البلبيسي لـ "العربي الجديد"، مختلف شرائح المجتمع، وعلى وجه التحديد فئة الشباب التي تفتقر للمعلومات التاريخية الخاصة بآثار غزة، كذلك فئة الطلاب، وذلك للمُساهمة بتنشئتها بشكل صحيح لمعرفة المرفقات التاريخية والأثرية الهامة التي تُمثل تاريخ آبائهم وأجدادهم وبلادهم.
ويتشارك مع عبد العزيز في مُبادرة "حكاوي غزة" مجموعة من الناشطين والمُتطوعين، وفي مُقدمتهم والده، الخبير في مجال الآثار والأعيان القديمة أيمن البلبيسي الذي يقول لـ "العربي الجديد" إن النشاط جاء بشكل عفوي، لكنه أظهر حجم غياب الوعي التاريخي والتراثي لدى شريحة واسعة من المواطنين، الذين لا يعرفون تفاصيل الآثار القديمة، وقصصها، والأحداث التي مرت بها. ويلفت البلبيسي إلى أن المُبادرة تهدف إلى التعريف بالمكان، وتراثه، وتاريخه، وأحداثه، ومن عاش فيه، مُضيفًا "لكل مكان، قصة تروي حكاية من عاشوا ومن ماتوا ومن مروا، ومن أنشأوا ومن هدموا، فإلى جانب الأماكن الموجودة، هُناك أماكن مُندثرة".
بدورها، تختص ضحى حسين، وهي ضمن فريق مُبادرة "حكاوي غزة"، في التنسيق للأماكن التي سيتم زيارتها، كذلك التنسيق مع المُشاركين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتراوح عدد المُشاركين في الرحلة من 35 حتى 50 شخصاً.
أما عضو الفريق، هدى عابد، وهي باحثة في المجال الأثري والتاريخي، فتُساعِد في التنسيق، إلى جانب الترجمة في حال وجود أجانب، وتقول لـ "العربي الجديد" إن الهدف من وراء تنفيذ هذه الرحلات والمسارات هو نفض الغبار عن الأماكن الأثرية الني تُعاني من غياب الاهتمام.
وتتشارك الرحلات التراثية، والمسارات بطابع وطني وتاريخي، يستكشفه المشاركون خلال مشيهم بين أزقة وشوارع الأماكن القديمة، لمعايشتها، ومعرفة أدق التفاصيل عنها، فيما يتطلع أصحاب المُبادرة إلى ايجاد الدعم المالي الذي يُمكنهم من الاستمرار والتوسع.