دونالد ترامب في "ماكدونالدز"... وجبات سريعة وحلول بطيئة

25 أكتوبر 2024
في كل مرة يقرّر فيها ترامب الظهور لا يمكن تفاديه (جابين بوتسفورد/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- دونالد ترامب يستخدم استراتيجيات غير تقليدية مثل بيع منتجات تحمل صورته والعمل في مطاعم ماكدونالدز لتعزيز صورته العامة، مما يعكس استغلاله للعلامات التجارية الشهيرة.
- يروج ترامب لحلول سريعة للمشاكل العالمية، مشابهة لوجبات ماكدونالدز، مما يعزز صورته كسياسي يقدم حلولاً مباشرة وسهلة، رغم أنها قد تكون غير فعالة على المدى الطويل.
- تعتمد استراتيجية ترامب على الشعبوية والتأثير الإعلامي، مما يجعله دائماً في دائرة الضوء ويظهر تأثيره الكبير على الرأي العام.

ما زال دونالد ترامب يتفنّن في إدهاشنا، نحن مستهلكي الصور الذين لا علاقة لهم بالانتخابات الأميركيّة كوننا لا نملك حق التصويت، إضافةً إلى الأميركيين أنفسهم. ضمن حملة علاقات عامة، يطمح ترامب إلى أن يكون مهيمناً على الثقافة الشعبيّة، سواء عبر بيع قمصان تحمل صورة اعتقاله، أو بيع أحذية رياضيّة، أو كما حصل أخيراً: أن يعمل بائعاً في أحد فروع مطعم ماكدونالدز، العلامة التجارية الأميركيّة الأكثر ضرراً على الصحة، والأكثر استهلاكاً في الوقت نفسه.

لم يتردّد ترامب سابقاً في الترويج لـ"ماكدونالدز"، فحين كان رئيساً، أقام وليمة لأبطال رياضة كرة القدم الأميركيّة في البيت الأبيض، وقدّم لهم فيها شطائر "ماكدونالدز". والآن، نراه داخل المطعم، وراء مقلاة البطاطا، يجرب تعبئتها في العلب المخصصة، ويفاجأ من وجود أداة بلاستيكيّة لتنفيذ هذه المهمّة، كونه كان يظن أن أحدهم يمسكها بيده العارية ويضعها في العلبة.

لا صورة أوضح لأميركا الآن أكثر من حضور ترامب في "ماكدونالدز". شركة عالميّة بلغ رأسمالها هذا العام 225 مليار دولار، ساعة العمل فيها وراء المقلاة أجرتها ثمانية دولارات في الساعة، في حين يصل ثمن بعض وجباتها إلى دولار واحد فقط، ولا مكان ملائماً لترامب إلا في شركة تقدم خدمات من هذا القبيل: طعام مضرّ بالصحة بثمن رخيص في شركة تستغل العمّال، والأهم، بسرعة واختزال لا يمكن فيها للمشتري أن يتلاعب بمكونات السندويشة/الخدمة.

يقدم ترامب حلولاً اختزالية وشعبوية لكل مشاكل العالم: إبادة غزة برأيه يجب "أن تكون أسرع"، والحرب على أوكرانيا، أيضاً، "يمكن حلها بسرعة". كل المشاكل حلها "سريع" لدى ترامب، كوجبات "مكادونالدز": أنت جائع، أسرع حل هو دوبل ماك! تبحث عن عمل، أسرع حلّ أن تعمل في "ماكدونالدز". كل هذه "الحلول السريعة" تدخل ضمن ذات المعادلة: التفرُّد بحياة البشر وحقوقهم لمراكمة الربح.

لِمَ هذا اليقين بوقوع الظلم على المستهلك والعامل؟ لأنه، كأي شركة كبرى ضمن سياق رأسمالي، لا بد من استغلال ومراكمة الثروة. يكفي أن نبحث عن الفضائح المحيطة بسلسلة مطاعم ماكدونالدز لتظهر آلاف العناوين. الأمر نفسه عند البحث عن اسم ترامب. إذن، نحن أمام ماكينة للاستغلال والحلول السريعة. حرفياً يدفع المُستهلكون، رخيصاً، ثمن مرضهم لعمّال يبذلون جهداً ويُستغلون مقابل أجر رخيص أيضاً. هذه باختصار دورة رأس المال المعاصر، ولا صورة تمثلها غير ترامب ببزته الرسميّة وربطة عنقه الحمراء، مرتدياً مريول "ماكدونالدز". هذه سياسة الحلول السريعة، تقدم الاستغلال مباشرة إلى فم المستهلك/الضحية.

يراهن ترامب على الشعبوية منذ بداية حملاته الرئاسية، الحالية وتلك السابقة التي فاز بها بدورة رئاسية واحدة. ها هو يعود من جديد، ليراهن على الحسّ الوطني الأميركي، فإذا كانت شركة فورد تمثل "أميركا" سابقاً، وتقدم سيارات لربط المساحات الشاسعة بعضها ببعض، الآن "ماكدونالدز" هي أميركا الجديدة: خط إنتاج قصير يعمل على تقديم سلعة استهلاكية مضرّة، تعطل حركة المستهلكين بسبب انتشار داء البدانة. أميركا الآن، على الأقل، في أعين العالم، ليست إلا برنامج تلفزيون واقع طويلاً، لكن للأسف لا يمكن تفاديه، هو منتشر في كل مكان.

سياسة الإنفلونسر التي يتبناها ترامب مفيدة، هو أيضاً في كل مكان، أمام الجادين هو محط السخرية، وأمام الساخرين ومدمني الريلز هو ترند حاضر دائماً. في كل مرة يقرّر فيها الظهور، كإعلانات "ماكدونالدز"، لا يمكن تفاديه. وفي كل مرة نتحاشى غواية الطعم الجاهز، تستغل هذه الشركات لحظة الضعف والجوع، كي تلبينا بوجبة سريعة مشبعة ومضرة. الأمر نفسه مع ترامب، فالعالم على حافة الانهيار وتوترات داخلية وخارجية قد تفضي إلى حرب عالمية ثالثة، فيأتي هو، بحل سريع، ليتخلّص من "كلّ" المشاكل.

المساهمون