فصلت "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) الصحافية الفلسطينية تالا حلاوة من وظيفتها، على خلفية تغريدة كتبتها أثناء العدوان الإسرائيلي على غزّة عام 2014، أي قبل أن تبدأ العمل مع هذه المؤسسة بثلاث سنوات. فخلال قصف الجيش الإسرائيلي لغزة وتحديدا أثناء الهجوم على حي الشجاعية الذي أسفر عن سقوط 55 مدنيا فلسطينيا منهم 19 طفلا و14 امرأة خلال 48 ساعة فقط، وعقب أيام معدودة على اختطاف المستوطنين للطفل محمد أبو خضير وإحراقه حيًّا، غردت حلاوة بالإنكليزية: "إسرائيل نازية أكثر من هتلر! HitlerWasRight# (هتلر كان على حق)، فليذهب IDF# (الجيش الإسرائيلي) إلى الجحيم. PrayForGaza# (صلّوا من أجل غزة)".
تروي حلاوة لـ"العربي الجديد" تفاصيل ما حصل معها. وتقول "الناس تتغيّر وأنا نادمة على هذه التغريدة، كما أنني اعتذرت عنها مراراً وتكراراً. كانت تغريدة في لحظة غضب وتحت ضغوط كبيرة. لم تمثلني آنذاك ولا تعبّر عني اليوم لأنني لا يمكن أن أسيء بهذا الأسلوب لأي شعب". وتضيف "بدأ الهجوم ضدّي بعد نشر تقرير مصوّر لي على (بي بي سي) يبيّن الثمن الذي يدفعه مشاهير العالم عند تأييدهم أو دعمهم للقضية الفلسطينية. وبما أنّ الجماعات المتطرفة الداعمة لإسرائيل فشلت في العثور على أي خطأ في محتوى التقرير، راحت تنبش في حسابي على (تويتر)، فوجدت هذه التغريدة وراحت تروّج لها. هاجموني على حسابي على (تويتر) فأغلقته، لكنّهم لاحقوني على جميع وسائل التواصل الاجتماعي".
انضمت تالا حلاوة إلى فريق العمل في "بي بي سي مونيتورينغ" من بلدها فلسطين عام 2017، لكن التحقيق معها بشأن تغريدتها التي مضى عليها سبع سنوات بدأ في آخر أسبوع من مايو/أيار الماضي. وكان التحقيق الثاني في يونيو/حزيران، وفي الـ11 من الشهر الماضي تبلغت بفصلها رسمياً ومن دون أي إنذار، باعتبارها أساءت لسمعة المؤسسة. استغربت حلاوة وصول خبر فصلها إلى جناح اليمين الذي كتب عنها التقارير في اليوم نفسه. عانت الصحافية الشابة من استنزاف نفسي طوال فترة التحقيق الذي مُنعت خلاله من نشر أي بيان أو تصريح رسمي. كما حُرمت حتى من حق الطعن في القرار الذي عادة ما تسمح به المؤسسة.
وهي تقول "من المؤسف أنني اعتذرت عن تغريدتي وحاولت أن أوضح موقفي كما عرض زملائي تقديم إفادات لدعمي ولتأكيد مهنيتي وعدم انحيازي لأي جهة، لكنّ تمّ تجاهلهم تماماً. حاكمني أشخاص لم أقابلهم يوماً ويجهلون سيرتي المهنية. وبقيت قضيتي سرّاً عن المسؤولين الذين يعرفونني بشكل جيد وأتعامل معهم، وهو ما أثار انتقادات داخل المؤسسة بعد صدور قرار فصلي، لكن تمّ التهرّب من الإجابة عن تساؤلات عدة، وجاءت التبريرات حول طمس قضيتي واهية، ومنها تقول إنّها كانت للحفاظ على خصوصيتي. شعرت وقتها أنّ المؤسسة استجابت لضغوطات وأن القرار كان قد صدر وبشكل نهائي حتى قبل فتح التحقيق معي. أعتقد أنّهم أرادوا إرضاء أصوات ارتفعت ضدّهم على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أنّ قضيتي تزامنت مع قضية مارتن بشير (فضيحة المقابلة مع الأميرة ديانا) التي عرّضت المؤسسة لضغوطات كبيرة".
تؤكّد خلال حديثها مع "العربي الجديد"، أكثر من مرّة أنّ التغريدة تسيء إليها كما تسيء إلى المؤسسة لكنّها ترفض الاستسلام، وتنتقد فصلها بهذه الطريقة التي ترى أنّها يمكن أن تصبح نهجاً تتعامل فيه المؤسسة مع الأقليات والفلسطينيين أمثالها. هي تريد أن توصل صوتها وتبذل الجهود حتى لا يتعرّض آخرون لهذا الفصل التعسفي.
وتضيف "يجب ألا نصمت عندما نتعرّض لهذا النوع من الهجوم وإلا فإننا سنتختفي وننتهي رويداً رويداً. رفعت قضيتي أمام المحاكم الفلسطينية بما أنّني أقيم في فلسطين. وأرفض أن تحاسبني المؤسسة على تغريدة قبل التحاقي بها حتى أن نقابة الصحافيين داخل (بي بي سي) انتقدت كيفية التعامل مع قضيتي، لكن يبدو أنّ هناك معايير لا تنطبق على موظفي المؤسسة الذين يقيمون خارج بريطانيا كما أنّ القانون لا يحميهم".
ضمن منشورها على "فيسبوك" الأربعاء، كتبت حلاوة التي تحدثت علناً عن القضية لأول مرة: "يحزنني أن بي بي سي، بدلا من البحث عن سبل لدعمي وحمايتي والدفاع عني كصحافية عملت في مؤسستهم ولها سجل مهني مميّز، قرّرت أن تستسلم لهذه الجماعات. بل إن فصلي بحد ذاته اعتبر قصة نجاح لهذه الحملات التي تهدف بإجراءاتها للقضاء على صوت الفلسطينيين، وأي صحافي غير داعم لإسرائيل أو ناقد لها، في الحياة العامة والمؤسسات الإعلامية الكبرى حول العالم. منذ أن بدأت بالعمل لدى بي بي سي عام 2017 لم أواجه أي انتقاد حول مهنيتي أو عملي الصحافي. على العكس لطالما تلقيت العديد من رسائل الشكر حول عملي وآخرها مشاركتي في تغطية التصعيد الأخير على قطاع غزة. وفي النهاية اختزلت المؤسسة كل سنوات عملي وخبرتي وأفكاري ومواقفي في تغريدة واحدة لا تعبر عني ولم أتردد بالاعتذار عنها بكل الكلمات الممكنة".
وأضافت "من المؤسف أن نمطاً جديداً من مهاجمة الصحافيين العاملين في الشرق الأوسط أصبح رائجاً ومن خلال الحملات الإلكترونية المنظمة التي تهدف لكسر مصداقية الصحافي وقدرته على التغطية بسبب جنسيته أو خلفيته الثقافية. العديد من الصحافيين عبروا عن مخاوفهم حيث أصبحت حملات التشهير الإلكترونية مصدر تهديد لكل صحافي من الأقليات يعمل في المؤسسات الدولية".