صحافيون سوريون يستعيدون أسماءهم بعد سقوط الأسد

18 ديسمبر 2024
في سجن صيدنايا، 16 ديسمبر 2024 (سمير الدومي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد عام 2011، شهدت سوريا قمعاً للحريات، مما دفع الصحافيين لاستخدام أسماء مستعارة لحماية أنفسهم وعائلاتهم. بعد سقوط النظام في ديسمبر 2023، بدأ الصحافيون بالكشف عن هوياتهم الحقيقية.

- وفقاً لتقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قُتل 717 صحافياً بين مارس 2011 ومايو 2024، وتم اعتقال وخطف 1358 صحافياً. تعرضت عائلاتهم لتهديدات من النظام، مما دفعهم لاستخدام أسماء مستعارة.

- رغم سقوط النظام، يواجه الصحافيون تهديدات في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، مما يدفعهم لاستخدام أسماء مستعارة. مناهل السهوي كشفت عن هويتها الحقيقية بعد سقوط النظام.

شهدت سورية بعد عام 2011 قمعاً كبيراً للحريات، ما دفع بالعديد من الصحافيين السوريين إلى استخدام أسماء مستعارة، خوفاً من الملاحقة الأمنية الشخصية لهم، أو الانتقام من عائلاتهم وذويهم في حال كانوا يقيمون خارج البلاد. إلا أنه وبعد سقوط النظام السوري في الـ8 من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، اتجهت الغالبية منهم إلى اعتماد الهوية الحقيقية مع انهيار منظومة القمع.

وفق تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن أكثر من 717 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام قُتلوا بين مارس/آذار 2011 ومايو/أيار 2024. وأشار التقرير إلى اعتقال وخطف ما لا يقل عن 1358 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام خلال الفترة نفسها، مؤكداً تعرض عائلات الصحافيين والإعلاميين المعتقلين لتهديدات ومضايقات أمنية مارستها أجهزة أمن نظام الأسد المخلوع، ضمن عمليات قمع ممنهجة بحقهم.

ممن لجؤوا إلى إخفاء الهوية في سبيل حماية العائلة، مديرة برامج وموقع حلب اليوم، ملاذ عساف، التي كانت تتخذ اسم مي الحمصي تعريفاً لها، خلال السنوات الماضية. تقول لـ"العربي الجديد": "الأسباب الأبرز ببساطة هي أن النظام الحاكم نظام قمعي، أقل ما يمكن أن يقوم به هو الاعتقال، وهذا الاعتقال قد يكون الأسوأ لأنه يتضمن انتهاكات متعددة مثل التعذيب، والاختفاء القسري، والاغتصاب. بالنسبة لنا، نساءً وفتياتٍ، هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نسعى إلى حماية أنفسنا. إلى جانب ذلك، قد يعمد النظام إلى قتل أقاربنا. من المعروف أن النظام لا يستهدف الشخص فقط، بل الأقارب أيضا، وبالتالي لم يكن بإمكاننا أبداً العمل بأسمائنا الحقيقية ومواجهته". تضيف عساف: "شخصياً، لم أكن أمتلك الجرأة الكافية للقيام بذلك. هناك أشخاص كانت لديهم شخصيات أقوى، ولكن بالنسبة لي، في البداية، كان أغلبنا يستخدم أسماء مستعارة. وحتى بعد مغادرتي سورية، بقي لدي هذا الخوف، كنت دائماً قلقة على أقاربي، ولم أكن مستعدة لأن يتعرض أي شخص منهم للأذى بسببي، نحن نواجه قاتلاً، وحين تتعامل مع نظام كهذا، لا يمكن لك مواجهته إلا بالكلمة والرأي، بينما يمتلك هو المدافع والدبابات وكل أدوات التعذيب".

عام 2012، شاركت عساف في تأسيس أول صحيفة في حمص بالتنسيق مع زملاء لها، وكان اسمها "إيميسيا". كان مدير المركز الإعلامي، وقتها، نضال خطاب قد "أُلقي القبض عليه عند أحد الحواجز، وأُعدم ميدانياً". تختتم عساف: "أذكر أنني خلال هذه السنوات الطويلة كنت أتمنى أن أرى اسمي الحقيقي يُنشر على عملي الإعلامي، لكنني أُجبرت على التخلي عن هذه الأمنية. في النهاية، شعرت بسعادة غامرة عندما تمكنت من إعلان اسمي الحقيقي والظهور بوجهي بعد سقوط النظام. كان ذلك بمثابة انتصار لي ولكل من عانوا في ظل القمع والرعب. إننا نأمل أن يكون هذا العصر قد انتهى، وأن نكون قد أسسنا مستقبلاً أفضل لأبنائنا بعد كل تلك السنوات الطويلة".

بدوره، يقول الصحافي علي الحسين لـ"العربي الجديد": "مع بداية الثورة السورية، كنت لا أزال في طور الخدمة الإلزامية في جيش النظام البائد في اللواء 80 في قطاع الكتيبة 599 في قرية تل حاصل في مدينة حلب. حينها، قلت لأحد الضباط في الكتيبة: إن لم يتوقف القمع، ستكون هناك دماء سورية ستُراق، الأفضل أن يُسلم بشار الأسد السلطة، وأنا واثق من أن الشعب سيحترم ويُقدّر هذه الخطوة. فقال لي بالحرف: شو ولاك مفكر الأمر بهالبساطة؟ خفيلي حسك الصحافي هاد. عندها قلت له: سيادة المقدم، ستُدمر البلد، والبلد للجميع. فقال: إذا ما خربت ما بتعمر". يتابع الحسين: "أعلم أنني استطردت بالحديث، لكن جوابي كان صاعقاً له حين قلت: منلاقي رؤساء كتير، بس مستحيل نلاقي بلد متل سورية. هذه الإجابة كانت سبباً لسجني عدة أيام مع عقوبة إضافة ثلاثة أشهر إلى الخدمة، في حين لم يكن قد تبقى من زمن خدمتي الفعلية سوى عشرة أيام. لكن الرئيس المخلوع، ومع اتساع رقعة المظاهرات، أصدر مرسوماً خرجت بموجبه من السجن بعد يومين، لأُسرّح بعد سقوط العقوبة".

يضيف الحسين: "عدت بعدها إلى الكتابة، أتذكر أنني كتبت مقالين ساخرين في صحيفة سالب موجب ضمن زاوية فشة خلق، انتقدت فيهما عمل الوزارات وسياساتها. كنت حينها أكتب باسم خليل جبران. لكن المقال الثالث لم يُنشر. وتزامناً مع بداية قصف المدن الثائرة وإطلاق النار على المتظاهرين، بدأت أشارك في التظاهرات السلمية في دمشق حيث كنت أكمل دراستي. أنشأت صفحة على الفيسبوك باسم "فوبيا حرية"، كان من ضمن كوادرها الناشطان الشهيدان ناصر بندق ولورانس رعد، اللذان كانا ناشطين إغاثيين. لورانس اعتُقل على خلفية عمله في إسعاف وإخلاء الجرحى في درعا واستشهد في سجون الأسد، وناصر اعتُقل في صحنايا في ريف دمشق. كان هناك عدد آخر من الناشطين. يضيف الحسين: "اكتُشفت الصفحة وعُرفت أسماء الناشطين فيها، ومن ضمنهم أنا. تعرضتُ للكثير من المضايقات والتهديدات، ما دفعني إلى التزام بيتي في قريتي النائية دوما شرقي السويداء. ومع تزايد أعداد المحتجين في السويداء، توقفت عن العمل الصحافي، وامتهنت النحت على الحجر حتى تعرفت إلى أحد الصحافيين، بدأنا العمل معاً في صفحة الراصد المحلية، إذ كنا على مدى سنوات نعمل بأسماء مستعارة. ورغم ذلك، لم تتوقف رسائل التهديد والوعيد بالقمع والاعتقال والقتل والسحل. كما كتبت في العديد من المواقع السورية والعربية بأسماء مستعارة متعددة، لا يسعني ذكرها".

ولا يقتصر التهديد على الصحافيين في حال كانوا يعملون خارج سورية، إلا أنه قد يطاول أحد أفراد عائلاتهم. وهذا ما حدث مع الزميل عدنان علي، الذي يوضح خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أنه استخدم لفترة اسمه الصريح خلال عمله الصحافي، إلا أن تهديداً وصل إلى شقيقه أجبره على إخفاء هويته واستخدام اسم عدنان أحمد لسنوات مع الابتعاد عن الظهور التلفزيوني: "كان يساورني القلق دائماً حول مصير عائلتي في سورية تحت سلطة النظام، خصوصاً بعد تلميحات التهديد لأخي من بعض زملائي الصحافيين في سورية الموالين للنظام".

بدوره، يوضح أحد الصحافيين المقيمين في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والذي يستخدم اسماً مستعاراً (جان علي) لـ"العربي الجديد" أن إخفاء الهوية في الوقت الحالي أمر مطلوب وملح للغاية، مضيفاً: "قبل سقوط النظام كنا نعيش حالة من التهديد، ونستخدم أسماء مستعارة عدة. وفي الوقت الحالي، هناك أيضاً قمع واضح وتهديدات تصلنا دائماً من جهات تابعة لقوات سوريا الديمقراطية. يضيف: "من الزملاء في المنطقة الذين استخدموا اسماً صريحاً، الزميل سلام حسن، الذي يعمل مع صحيفة العربي الجديد، وتعرض قبل مدة للتهديد بالاعتقال، وابتعد عن استخدام اسمه الحقيقي لفترة، أيضاً تعرضت سيارته للتخريب، من يريد أن يواجههم قد يدفع ثمناً باهظاً".

ومن ضمن من كشفوا عن هوياتهم مناهل السهوي التي كتبت في 11 ديسمبر على حسابها في "فيسبوك": "يحق لي اليوم الكشف عن عملي الصحافي الذي نشرته تحت اسم مستعار خوفاً على نفسي وعائلتي. سنوات كتبت فيها أكثر من 150 مقالاً صحافياً، بالإضافة إلى عملي اليومي في موقع درج من فيديوهات وأخبار يومية، اعتقدت أن هذا الاسم سيبقى مخفياً للأبد، عشرات التحقيقات والتقارير الحقوقية والمدونات والآراء كتبتها داخل سورية وخارجها، مؤمنة أن الحقيقة يجب أن تُقال حتى لو بقينا في الظل. واحد من أهم ما عملت عليه هو مشاركتي الأولى في تحقيق استقصائي (...) عنوانه جمهورية الكبتاغون: كيف ترتبط شبكة تهريب المخدرات الواسعة بالقصر الرئاسي في سوريا الذي يثبت تورط عائلة الأسد بصناعة وتجارة الكبتاغون، وحتى قبل أيام قليلة كنت محرومة من الفرح بهذا الإنجاز أو العمل على تحقيقات أخرى. من التقارير التي أفتخر أني كتبتها هي مقابلة مع ابن أقدم معتقل سياسي في سورية، رغيد الططري، الذي خرج حياً قبل يومين وسيلتقي ابنه أخيراً، كما كنت حريصة على متابعة كل ما يخصّ سجن صيدنايا ابتداء من غرف الملح وصولاً إلى الهيكلية المعمارية والإدارية للسجن الأبشع على الإطلاق". وأضافت: "أنا اليوم حرة وكارمن (اسمها المستعار) حرة، لا شيء أخافه لأقول أنا مناهل السهوي وليس كارمن كريم، وكل ما أتمناه ألا أضطر يوماً ما إلى العودة للكتابة تحت اسم مستعار، وألا يضطر أي إنسان أو صحافي حول العالم إلى إخفاء آرائه فقط خوفاً على حياته وحياة من يحب".

المساهمون