في مواجهة إمبراطورية إعلام النظام السوري وما تملكه من سلطة ورأسمال وتكنولوجيا وحماية ومساندة أمنية، يعمل مئات المراسلين والكتّاب والصحافيين المستقلين بعيداً عن الأضواء، متحمّلين كل أشكال الضغط النفسي والاجتماعي إلى جانب خطر الاعتقال والموت. تبدو قصص هؤلاء الصحافيين قصص خطر يومي، خصوصاً أن تغطيتهم تحاول أن تنجو من قبضة النظام وروايته أو الفصائل وقبضتها، لا سيّما في بعض المناطق التي لم يسيطر عليها النظام بالكامل، كما هو الحال في محافظات درعا والسويداء والقنيطرة في الجنوب السوري.
يقول الإعلامي الناشط في محافظة درعا محمد الحوراني (اسم مستعار)، لـ"العربي الجديد": "هناك معايير عدة للعمل الصحافي المعارض أو المستقل في المحافظة لا يمكن تجاوزها، لعل أهمها الموقف العلني المعارض للنظام، والفصائل المسلحة الرديفة أو الموالية من جهة، والموقف من الفصائل والجماعات المسلحة المعارضة من جهة أخرى. وما بين هذين الحدين، يقف الجمهور المحلي الذي نستهدفه ونسعى للإجابة عن أسئلته المشروعة"، ويؤكد أن الحقيقة والواقعية ولو وصلت متأخرة تبقى السبيل الأهم للاستمرارية والانتشار الواسع، و"هو غالباً ما لا يرضي أطراف النزاع". ويضيف: "علينا أن نضحي بالخبر أو نجافي جزءاً من الحقيقة أحياناً في أماكن، وأن نحابي المزاج العام في أماكن أخرى. لا يمكن أن نتعامل مع هذا الخليط غير المتجانس بشكل فج كما تعمل وسائل الإعلام العاملة خارج الحدود. فنحن في الداخل نسير بين حافتي السكين، والخطأ الأول قد يكون هو الخطأ القاضي على مستقبل الإعلامي والشبكة التي يعمل بها، وربما على حياة أي من مراسليها"، يقول.
ويشير الإعلامي إلى أن الوسيلة للعمل والتواصل هي شبكات التواصل الاجتماعي، شارحاً أن الإعلام المعارض يستمد القدرة على الوصول للخبر والنشر من ضعف السلطة في الجنوب السوري، وعلى العكس يلاحظ صعوبة الحصول على المعلومة والنشر في الأماكن الأكثر وجودا وتسلطا للنظام فيها.
وقد دأب إعلام النظام خلال سنوات الحرب على فرز وتصنيف المجتمع السوري إلى شريحتين، أي الموالي أو المعارض، وكرس كل أدواته في تنميط آلية التفكير لدى المتلقي، ليضعها ضمن قاموس من المصطلحات التي باتت ركائز لعمليات الفرز المجتمعي، مثل "شهيد الوطن"، و"الإرهابي"، و"الوطني" و"الخائن".. وغيرها من نتاج الحزب الواحد والنظام الشمولي.
في المقابل ظهر الإعلام المعارض وانتشر في مناطق النظام معتمداً على السوشال ميديا في نقل المعلومة والخبر داخل وعبر الحدود الجغرافية، واستطاع أن يُثبت ركائزه ويُحدث خرقاً في ذهنية المُتلقي، ويخلق آلية تفكير خارج إطار الصورة النمطية للإعلام الرسمي.
الناشط الإعلامي في محافظة درعا أبو يزن الحربي، الذي يعمل باسم مستعار، شرح لـ"العربي الجديد" نقطة رئيسية تتمحور حول "قدرة أجهزة الرقابة لدى الجهات الأمنية على معرفة هوية المراسلين المعارضين وقراءة الرسائل عبر أجهزتهم، واكتشاف الجهة المُشغلة في الداخل أو الخارج، بالإضافة إلى مقدرة الأجهزة على التفريق بين المراسل والناشط أو المواطن المُراسل من خلال سيطرتها على وسائل التواصل وشبكة الاتصالات. ويشير الحربي إلى اعتقال أحد المراسلين على الحواجز الأمنية على الرغم من كل الاحتياطات التي اتبعها، إلى جانب استدعاء مراسل آخر إلى أحد الفروع الأمنية في دمشق، وعرض المراسلات الحاصلة بينه وبين أحد المواقع الإخبارية العربية عبر تطبيق مسنجر.
في الإطار نفسه، أي ذاك المرتبط بخطوات الاحتياط والأمان، يقول الإعلامي حمزة المعروفي الذي يعمل في إحدى الشبكات الإعلامية المعارضة في محافظة السويداء: "معظم المراسلين حصلوا على أجهزة الجوال من خارج البلاد كي لا تدخل في سجلات وزارة الاتصالات السورية، ولم يقوموا بجمركتها، واستخدموا تطبيقات مثل مسنجر وواتساب مع خطوط هاتف أجنبية ومحمية من الخارج. أما طريقة استخدام شبكة الإنترنت في الداخل، فتختلف بين مراسل وآخر وبين منطقة وأخرى: البعض يستخدم شبكة المنزل الخاصة أو الباقات على رقم جوال سوري قد يكون باسم شخص متوف أو موجود خارج البلاد، وآخرون استطاعوا من خلال علاقات خاصة أو بدفع الرشوة لموظفي الدوائر الرسمية الحصول على كلمات ورموز العبور إلى الإنترنت الخاص بهذه المؤسسات الرسمية، وفي هذه الحالة يكفي المراسل المرور من جانب المؤسسة أو الدائرة الحكومية ليتم استخدام الشبكة. ويضيف المعروفي أن هناك من يراسل المواقع الإخبارية بالاعتماد على شبكات الإنترنت الخاصة ببعض الفروع الأمنية ومراكز الشرطة، وهو خرق آخر لم تستطع هذه المؤسسات التابعة للنظام السوري حله.
من جهته، يقول أحد العاملين في شبكة الراصد في السويداء لـ"العربي الجديد"، إنه كان لا بد من الاعتماد على السرعة في الوصول للخبر المحلي والجرأة في نقل الحقيقة "مهما كانت عناصر الحدث من أجل الوصول إلى قاعدة شعبية والحصول على ثقة المتابع".
وفي هذا الشأن، وضعت الشبكة نصب أعينها الموضوعية في نقل الخبر والحقيقة ضمن معايير نبذ التحريض والفتنة والعصبية والنزاعات الأهلية، ولهذا وصلت إلى جمهور كبير في زمن قياسي، وإلى أعداء كثر في الوقت نفسه".
فيما يوضح سليمان فخر، مدير تحرير "الراصد"، أن الشبكة ركزت في عملها الإعلامي على الجانب المحلي في السويداء خصوصاً، وفي الجنوب عموماً، "لثقتنا أن التغيير يبدأ من القاعدة الشعبية. وسلطنا الضوء على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وعرينا العصابات، وأفردنا التقارير عن معاناة المواطن في الداخل". فخر أكد أن "الاعتدال بالطرح وعدم معالجة الخطأ بخطأ أو بحس أو خطاب انتقامي ساهم في جذب جزء من الجمهور الرمادي، ومع هذا تتعرض الشبكة لحملة تبليغات يومية، وتسعى الجهات الأمنية للوصول إلى أي معلومات عن العاملين فيها. وعلى حد تعبيره، "لا نملك أي تقنيات إضافية عن الجوال ولا نعتمد على الشبكة في مدخولنا المادي فمعظمنا يجتهد للشبكة ويعتاش من عمله الخاص".
ومن أجل التأكد من المعلومة من مصادر مختلفة، "نضطر للتحايل على المصدر في المؤسسات العامة واستخدام أسماء وصفحات فيسبوك مستعارة والعديد من الأقارب والأصدقاء للوصول للدقة وجودة المعالجة والنشر"، بحسب فخر.