"طريق الحرير"... أساطير وحكايات وتوابل

16 ديسمبر 2024
تمثال بوذا البرونزي (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يستضيف المتحف البريطاني معرض "طريق الحرير" حتى 23 فبراير، حيث يقدم تجربة تفاعلية للزوار باستخدام تقنيات عرض حديثة لاستكشاف تاريخ طريق الحرير الذي ربط شرق آسيا بغربها.
- يعرض المعرض قطعًا أثرية متنوعة تبرز التبادل الثقافي والتجاري، مثل المخطوطات البوذية والعملات المعدنية، ويسلط الضوء على قصص تاريخية مثل رحلة ماركو بولو.
- يبرز دور النساء في تشكيل طريق الحرير، ويعرض قصص تاجرات وفنانات، ويظهر كيف ساهم الطريق في نقل الأفكار والابتكارات مثل الورق والطباعة الصينية.

يستضيف المتحف البريطاني حتى الـ23 من فبراير/شباط المُقبل معرضاً استثنائياً بعنوان "طريق الحرير". تظاهرة تحتفي بالأساطير والحضارات التي ازدهرت عبر العصور بفضل أعظم شبكة تجارية عرفها العالم القديم. يأخذنا هذا المعرض في رحلة مثيرة على طول طريق الحرير، حيث تتشابك الحكايات الإنسانية مع الإبداع والتبادل الثقافي. تُضيف تقنيات العرض الحديثة في المتحف بُعداً جديداً للتجربة، إذ يمكن للزائر استخدام الشاشات التفاعلية لاستكشاف المزيد عن كل قطعة.
طريق الحرير، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من ألفي عام، لم يكن طريقاً محدداً، بل شبكة من الطرق البرية والبحرية التي ربطت شرق آسيا بغربها. وُلد الاسم من تجارة الحرير الصيني، ولكن الطريق لم يكن مقتصراً على تجارة الحرير فقط، فقد انتقلت عبره العديد من البضائع الأخرى، من التوابل والخزف، إلى المعادن والأحجار الكريمة، والأهم من ذلك، الأفكار والتقاليد والثقافات والعقائد.
على امتداد آلاف الكيلومترات مرّت هذه الطريق عبر أراضٍ متنوعة، بدءاً من صحراء غوبي الشاسعة، مروراً بجبال بامير الشاهقة، وصولاً إلى سهول بلاد فارس وبلاد الشام، ومنها إلى شمال أفريقيا وأوروبا. وقد ساهمت هذه الشبكة التّجارية في تشكيل ملامح عالم مترابط بطريقة لم تكن مألوفة في ذلك الزمان.
بين القطع التي يضمها المعرض، مجموعة المخطوطات البوذية القديمة التي تُظهر التفاعل الفكري والديني بين الهند والصين. إحدى هذه المخطوطات تصور حكايات عن الحكيم الصيني شوانزانغ، الذي مضى برحلة حج إلى الهند لجمع النصوص المقدسة. يضم المعرض أيضاً مجموعة من العملات المعدنية من الإمبراطوريات الرومانية والفارسية والصينية. كل قطعة من هذه العملات تروي قصة عن حركة التجارة وتبادل السلع والخبرات. أما المنسوجات المزخرفة، فتُجسد الأنماط الفريدة التي تزاوج بين الطراز الصيني والهندي والفارسي. 
يسلط المعرض أيضاً الضوء على هذه الحكايات والأساطير المرتبطة بطريق الحرير، مثل قصة التاجر والمستكشف الفينيسي الشهير ماركو بولو الذي خاض رحلة شاقة على طول طريق الحرير وصولاً إلى بلاط الإمبراطور المغولي كوبلاي خان. تضم التظاهرة نماذج من كتابات هذا المستكشف التي تحمل وصفاً دقيقاً للأراضي والثقافات التي زارها، وهي مصدر تاريخي لا يقدر بثمن.
بين الروايات الشهيرة المتداولة أيضاً، تأتي قصة دان هوانغ: مدينة صينية قديمة عُرفت بأنها محطة استراحة للتجار والرهبان. في هذه المدينة، اكتُشفت مخطوطات نادرة محفوظة في الكهوف توثق حركة التبادل الثقافي بين الهند والصين وأراضي آسيا الوسطى. من بين الحكايات المثيرة أيضاً، تبرز قصة الفيل أبو العباس، وهو فيل آسيوي أهداه هارون الرشيد للإمبراطور شارلمان في القرن الثامن الميلادي. يضم المعرض إناءً صغيراً من العاج يُعتقد أنه قد صُنع من أنياب هذا الفيل بعد نفوقه.
تؤكد التظاهرة أن طريق الحرير لم يكن مجرد مسار للتجارة، بل كان وسيلة للتواصل الثقافي أيضاً، فقد انتقلت عبره العديد من الأفكار الفلسفية والروحية، مثل البوذية التي انتقلت من الهند إلى الصين، بينما تأثرت الفنون الإسلامية بالزخارف الصينية، كما تُظهر العديد من القطع الخزفية والمنسوجات المعروضة. يتناول المعرض جانباً من هذه التأثيرات من خلال عدد من القطع التي يظهر فيها التأثير المتبادل بين الثقافات. بين هذه القطع مثلاً، تمثال نحاسي لبوذا يعود إلى القرن السادس الميلادي، وقد صنع هذا التمثال في الصين لكنه يُظهر تأثيرات هندية واضحة في تصميمه.

أحد الجوانب اللافتة في المعرض يتمثل في تسليطه الضوء على دور النساء في تشكيل هذا الطريق، إذ كانت للنساء بصماتهن الخاصة كتاجرات وفنانات. يقدم المعرض قصصاً متعددة لنساء شهيرات، مثل قصة شوران، التاجرة الصينية التي عُرفت بإدارة قوافل تجارية ضخمة عبر الصحراء. وقصة أخرى لامرأة فارسية كان يُطلق عليها "كليوباترا آسيا"، كان لها دور مهم في تطوير تقنيات النسيج التي اشتهرت بها بلاد فارس.

كان طريق الحرير أيضاً وسيلة مهمة لنقل الأفكار والابتكارات؛ إذ يعرض المتحف نماذج من هذه الابتكارات المهمة التي غيرت العالم، مثل الورق والطباعة الصينية. ومن القطع اللافتة، آلة قديمة تعود إلى القرن السابع، كانت تُستخدم لنسج الحرير. تُظهر هذه الآلة البراعة الهندسية التي تمتع بها الصينيون في تلك الحقبة. يأتي المعرض أيضاً على ذكر العقبات والتحديات التي واجهها المسافرون على هذه الطريق، من الظروف الطبيعية القاسية إلى قُطاع الطرق. يُعرض في إحدى القاعات نموذج يحاكي رحلة قافلة تجارية عبر صحراء غوبي، ليمنح الزائر تجربة قريبة من الواقع. صحراء غوبي هي صحراء مترامية الأطراف في شرق آسيا، وتُغطي أجزاء من شمال وشمال شرق الصين وجنوب منغوليا، وكانت مساراً محورياً لقوافل التجارة القادمة من الصين والمتوجهة إليها.
"طريق الحرير" هو شهادة حية على قدرة البشر على بناء روابط تتجاوز الحدود والاختلافات، وهو فرصة للتأمل في كيفية الاستفادة من إرث الماضي لبناء عالم أكثر ترابطاً. يُظهر المعرض كيف أن التبادل الثقافي والتجاري يمكن أن يكون وسيلة للتعاون بين الشعوب والمجتمعات، ليس سبباً في الصراع والتناحر. 

المساهمون