عازف كمان سوري يشكر بالموسيقى بلدة فرنسية استضافته وعائلته

03 يوليو 2022
حصل بلال النمر على الجنسية الفرنسية عام 2021 (نيكولا تيوكا/فرانس برس)
+ الخط -

بكمانه الذي تعلّم العزف عليه في أكاديمية دانيال بارنبويم، أراد السوري الموهوب موسيقياً، بلال النمر، أن "يشكر" بلدة فوفنارغ الخلابة جنوبيّ فرنسا، قرب إيكس-آن-بروفانس، لاستضافتها والديه اللذين اتخذاها ملجأً من الحرب في سورية، عبر تنظيمه مهرجاناً فنياً فيها نهاية هذا الأسبوع.

وقال بلال النمر (25 عاماً) لوكالة "فرانس برس": "وصل والداي إلى فرنسا حاملَين حقيبتين عام 2016، بعد خمس سنوات على اندلاع الحرب، واستضافتهما فوفنارغ بالترحاب. وأردت استخدام لغتي، وهي الموسيقى الكلاسيكية، لكي أفي هذه القرية التي يبلغ عدد سكانها ألف نسمة ما وفرته لعائلتي، من خلال تنظيم مهرجان فيها بمشاركة فنانين كبار".

عند سفح جبل سانت فيكتوار الذي رسمه سيزان في مجموعة من لوحاته، قرب القصر الذي ووري بابلو بيكاسو في ثراه، ستصدح الألحان الكلاسيكية للمؤلفين الألمانيين لودفيغ فان بيتهوفن (1770-1827) وفيليكس مندلسون (1809-1847)، وكذلك أخرى عربية، كالسوناتا السورية الرقم 2 المينورية للموسيقي العراقي الأصل صلحي الوادي (1934-2007). ويتولى عزف هذه المقطوعات موسيقيون منفردون مشهورون والأوركسترا السمفونية الجديدة لإيكس-آن-بروفانس.

ومن السورية وعد بو حسّون التي غالباً ما رافقت الموسيقي الإسباني جوردي سافال عزفٌ على العود لأغنيات شعرية من المنطقة التي يتحدر منها والدا بلال بجنوب سورية.

وكان بلال النمر أول من وصل من أفراد أسرته إلى فرنسا، بفضل موهبته في العزف على الكمان. ولم يكن والداه موسيقيين، إذ إن والدته خبيرة محاسبة، بينما يعمل والده في مجال البناء، وكان أيضاً حارس إنقاذ بحري في لبنان.

تلقى بلال في طفولته المبكرة في دمشق لعبة على شكل كمان، ثم قدم له والده هذه الآلة الوترية الجميلة، ثم التحق بدروس في العزف في مدرسة للموسيقى كائنة في قبو. وذكر أنه فاز "بمسابقة صغيرة"، وكانت الجائزة التي حصل عليها عبارة عن جهاز ووكمان نقال أزرق للاستماع إلى الموسيقى، لا يزال لديه. وبفضل أستاذ موسيقى رصده، التحق بمعهد صلحي الوادي، ثم فاز بمسابقة دولية.

وعرض عليه معلّمون فرنسيون عام 2010، وهو في الثالثة عشرة، الانتقال إلى منطقة إيكس-آن-بروفانس الفرنسية لمواصلة دراسته فيها. وبعد عام، عندما اندلعت الحرب في سورية، عاش "الانفصال"، إذ لم يرَ والديه لسنوات. وما كان من بلال الذي كان يشعر بالقلق على عائلته في دمشق إلّا أن أنكبّ، وحده، على العمل بجدّ ومثابرة، فكان يحضر إلى المدرسة الثانوية في السابعة من صباح كل يوم ليتابع دروس العزف على الكمان لمدة ساعة، ثم ينصرف إلى حصص المواد الدراسية الأخرى، قبل أن يمضي ساعات في المساء يتدرب على آلته.

وبعدما أنهى المرحلة الثانوية من دراسته بتفوق، التحق بالمعهد الموسيقي في باريس، وتمكن من إحضار أخته إلى فرنسا، ثم والديه.

وقال رئيس البلدية فيليب شاران: "لدى وصولهم إلى فرنسا، كانوا لا يزالون في حالة ضياع، وكان لدينا في فوفنارغ مسكن فارغ متاح، فوضعناه في تصرفهم، وتولى بعض أهل البلدة تأثيثه".

واليوم، بعد 6 سنوات، تعمل والدة بلال في مدرسة القرية، في حين أن والده مسؤول عن مركز التخلص من النفايات. ولاحظ شاران أن أفراد العائلة "باتوا مندمجين كلياً" في المجتمع الفرنسي.

أما بلال، فعزف مع موسيقيين مرموقين من أمثال دانيال بارنبويم ورونو كابيوسون وإيلين غريمو. وحصل على الجنسية الفرنسية عام 2021، تقديراً لمساهمته في التميز الثقافي. وقال رئيس البلدية: "لقد قدم لنا هذه الهدية المتمثلة بلقاءات فوفنارغ الموسيقية. قدمنا القليل، ونحصل على الكثير. إنها قصة رائعة".

يحضر الحفلة عدد من معلّمي بلال في المدرسة سابقاً. كذلك يشارك التلاميذ الذين تعنى بهم والدته في ورشة موسيقية. ويحرص بلال الذي بدأ بتحقيق حلمه في أن يصبح عازفاً منفرداً عالمياً على أن يكون وفياً لكل ما ساهم في انطلاقه، سواء لوطنه سورية، أو للبلدة الفرنسية التي حضنته، أو لكل من ساعده في مسيرته. وقال: "أنا مثل الشجرة، كلما ارتفعتُ إلى الأعلى، باتت جذوري أعمق".

(فرانس برس)

المساهمون