عمرو صلاح: يشغلني إنتاج مصري في الجاز بصبغة عالمية

20 نوفمبر 2024
يضم المهرجان ورشاً ونقاشات وعروض أفلام وثائقية (من الفنان)
+ الخط -

يرتبط اسم الموسيقي المصري، عمرو صلاح، بواحدة من أبرز الفعاليات الخاصة بالموسيقى في المنطقة العربية، مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز، الذي اختتمت منذ أيام دورته الـ16، وهو أيضاً مؤسس فرقة افتكاسات عام 2002، التي شاركت منذ تأسيسها في عدد كبير من الفعاليات والمهرجانات العربية والدولية المهتمة بالجاز. للتعرّف إلى هذه التجربة، التقت "العربي الجديد" عمرو صلاح.

لماذا الجاز؟
لدي تجربة طويلة مع هذا اللون الموسيقي. رغم ذلك لا أرغب أن أحصر نفسي في قالب واحد؛ لهذا فأنا منفتح على ألوان مختلفة من الموسيقى، وإن كنت أرى تميزاً كبيراً في الجاز؛ إذ يدعو الموسيقي دائماً إلى أن يُعمل عقله، خصوصاً أن الجاز يعتمد كثيراً على الارتجال، وهذا يجعل المستمع دائماً في حالة من الترقب الإثارة.

منذ أيام اختتمت فعاليات مهرجان القاهرة للجاز الذي أسسته منذ 16 عاماً. كيف جاءت فكرة المهرجان؟
منذ أن أسست "افتكاسات" في عام 2002، والفرقة تداوم على تنظيم جولات في مختلف أنحاء أوروبا، لكن في عام 2008، طفنا الولايات المتحدة وعدداً من البلدان الأوروبية، تعرفنا خلالها إلى مهرجانات، مثل مهرجان سان خوسيه في كاليفورنيا، ومهرجانين كبيرين في صربيا وبلغاريا. رأينا كيف تتنظّم هذه الفعاليات بكفاءة رغم كثافة الحضور. عندها، ألحت عليّ رغبة إقامة مهرجان للجاز في مصر. ساءلت نفسي كيف يمكن لدولة بحجمها وتاريخها الثقافي الضخم، كذلك تاريخ موسيقى الجاز فيها والممتد ربما لأربعينيات القرن الماضي، ليس فيها مهرجان لهذا اللون الموسيقي.
طوال الوقت هناك فرق أجنبية للجاز تزور مصر لإقامة الحفلات، فلماذا لا يكون هناك مهرجان ينتظم من خلاله حضور تلك الفرق إلى جانب الفرق المصرية بالطبع؟ كل هذا حرضني على تدشين مهرجان للجاز من أجل وضع مصر على الأجندة العالمية في ما يخص هذا اللون الموسيقي.
وبالفعل، تشجعت في عام 2009، وتواصلت مع أسماء مثل: فتحي سلامة ويحيى خليل ورشاد فهيم وهشام جلال، وفرق مثل "وسط البلد"، وعرضت على الجميع الفكرة فتحمسوا لها. رأينا أن المكان الأنسب وقتها لإقامة الفعاليات هو ساقية الصاوي، التي كانت في ذروة نشاطها، قبل التدهور الذي أصابها.
حينها، تحمس مؤسسها محمد الصاوي للمشروع، وبالفعل أقمنا الدورة الأولى. وإثر نجاحها، تواصل معي عدد من المراكز الثقافية الأجنبية وسفارتها، لتعرض التعاون من أجل إقامة الدورة الثانية، والتي كانت من أكبر الدورات، فاستضفنا فرقاً من اليابان والنمسا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها، كما حضرها زياد الرحباني، وبدأت الناس تتعرف إلى المهرجان أكثر فأكثر.

ما الفعاليات التي يقدمها المهرجان إلى جانب الحفلات؟
يقدم المهرجان فعاليات متنوعة، فمنذ إطلاق أول دورة له شغلتني مسألة أن يكون هناك إنتاج مصري في مجال الجاز بصبغة عالمية، وهو أمر ربما ليس سهلاً؛ لأنه ليس لدينا للأسف أي تعليم موسيقي في الجاز. لهذا، رغبت في ألا يقتصر المهرجان على الحفلات. وأن يضم، إلى جانب العروض، ندوات ونقاشات وورشاً يحتك بها الموسيقيون المصريون بغير المصريين. إلى جانب ذلك، هناك أفلام تسجيلية عن الجاز، ما يعني مادة ثقافية متكاملة. منذ الدورة الأولى ونحن نعمل وفق هذه الرؤية.

بعد مرور 16 عاماً، ما الذي أضافه المهرجان لموسيقى الجاز في مصر؟
أصبح لدينا نماذج من الموسيقيين المصريين أصحاب إنتاج موسيقى جيد جداً، بعدما تحققت رؤية المهرجان وفق ما خططت له. ومن هذه النماذج اسم مثل رامي عطا الله الذي انتظم في فعاليات المهرجان منذ أن كان عمره 16 سنة. وهناك جيل أصغر، مثل أندرو ميلاد وديفيد ماجد وتيموثي مايكل ويوسف هادي. نتحدث هنا عن أعمار لا تتجاوز الـ16 أو الـ17 عاماً. هؤلاء موسيقيون انتظموا في حضور فعاليات المهرجان منذ أن كانوا في عمر الثامنة والتاسعة، عبر برنامج مخصص للأطفال،. واليوم يقفون على المسرح، ليقدموا موسيقاهم الخاصة، وهناك نموذج كأندرو ميلاد، يعمل حالياً على ألبومه الأول.
أمسى لدينا اليوم هيكل أكثر إحكاماً للمهرجان، كما اهتممنا بأن يكون لنا دور عربي، فعلى سبيل المثال من بين تقاليد المهرجان، العرض الأول لا بد أن يكون مصرياً أو عربياً، وعبر الدورات المتعاقبة قدمنا فرقاً من تونس والمغرب والجزائر ولبنان وسورية والسودان والأردن والبحرين، ونحرص دوماً على ذلك.

ما الجديد الذي قدمه المهرجان هذا العام؟ وماذا عن الإقبال؟
للأسف الإقبال ضعيف ولست راضياً عنه، وإن كنت أرى أنه أمر طبيعي، لأن الإقبال على الثقافة عموماً ضعيف. وحتى لا أظلم مصر، فالاهتمام بالثقافة في العالم أجمع متواضع للغاية. الأجيال الجديدة أُفسدت عقولها، لم تعد لديها أي رغبة في القراءة، أو حضور حفلة، أو الخوض في نقاش ثقافي، إلى جانب بالتأكيد ضغوط الحياة التي تحرضهم على استهلاك أنشطة فنية لا تتطلب بذل أي جهد في التعاطي معها، وأتصور أن هذا ليس تشاؤماً بقدر ما هو واقعي.

هناك فيلم وثائقي ألماني أنتج عن المهرجان. حدثنا عنه.
في عام 2013، غادرنا ساقية الصاوي، بسبب خلافات إدارية ومادية، لينتقل المهرجان إلى حديقة الأزهر، التي أقمنا فيها دورة مهمة حضرها المخرج الألماني التونسي عاطف بو زيد. ولدى حضوره الفعاليات، دُهش حين علم أن مهرجاناً بهذا الحجم ليس وراءه دولة أو مؤسسة كبيرة، ليجمع فريقاً من خمس دول لإنتاج فيلم وثائقي عن المهرجان، وأنتجه قبيل الدورة التالية. وكان أول عرض للفيلم في مهرجان روتردام للسينما عام 2017، ولاقي اهتماماً واسعاً، تنقل بعدها بين عدد من المهرجانات في كل من: أوروغواي وألمانيا وإسبانيا واليونان، كما حظي بعروض في عدد من المهرجانات في الدول العربية، وفاز أيضاً بجائزة من مهرجان كوبنهاغن السينمائي. كل هذا كان سبباً مهمّاً في التعريف بمهرجان القاهرة للجاز وبي أيضاً.

ما الجهات التي ساعدتكم على تحقيق هذا النجاح؟ وهل يتلقى المهرجان أي دعم من مؤسسات الدولة المعنية؟
أقمنا الدورة الأولى بجهود ذاتية، في حين ساعدتنا، في السنة التالية، بعض الدول بعدد من فرقها وتسهيل حضورها المهرجان. أما بالنسبة لمؤسسات الدولة، فلم نتلق إلا دعماً متواضعاً قدّمته هيئة تنشيط السياحة، بعد مخاطبتنا لها ربما في عام 2013، واستمر هذا الدعم لثلاث أو أربع سنوات، توقف بعدها.

مؤسسات الدولة ليست معنية بدعم فعاليات من هذا القبيل، بل ينصرف اعتناؤها إلى فرض رسوم على المهرجان باعتباره حدثاً مستقلاً، فأي فعالية لا تتبع الدولة هي ابن غير شرعي لها، وهذا إرث تاريخي، يخص وزارة الثقافة منذ تأسيسها، وليس أمام أي مقدم للثقافة خارج الإطار الرسمي إلا أن يتبع مؤسسات الدولة أو يهمش، لهذا ليس هناك من بين مؤسسات الدولة من يهتم بمهرجان الجاز.
رغم ذلك، كان لدي رغبة في التعاون مع المؤسسات الرسمية، بدافع من نزعة وطنية، لذلك راهنت على حدث كهذا يحمل اسم بلدي ولم أتجه لإقامة فعاليات تجارية أو ربحية، فلدي القدرة على استقدام ليدي غاغا مثلاً لتغني عند سفح الأهرامات، لكني أرغب في تقديم عمل يفيد البلد في المجالين الفني والثقافي.
هذه الرغبة كانت وراء محاولات للتعاون جرت في عام 2010، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً. وحين تولت إيناس عبد الدايم وزارة الثقافة 2018، كنت أحسبها صديقة فتوسمت فيها خيراً، لكن للأسف قوبلت كل محاولة للتعاون بتعقيدات أفشلتها جميعاً، وهو ما تكرّر حين تولى خالد داغر رئاسة دار الأوبرا، فقد رغبت في أن تستضيف الأوبرا عدداً من العروض، لكن للأسف لم يحدث.

كيف ترى المساحة التي يحتلها الجاز، في بلادنا العربية، بين الأنواع الموسيقية المختلفة؟ ومن وجهة نظرك، ما هي أبرز المحاولات التي حققت نجاحاً في ما يخص دمج موسيقانا بالجاز؟
الجاز منذ نشأته لون موسيقي متميز، لكنه ليس شعبياً. كما يُنظر إلى موسيقي الجاز بوصفه الأكثر تميزاً بين أقرانه.
لذلك، فجمهور الجاز حتى في الغرب لا ينافس في عدده جمهور الألوان الموسيقية الأخرى، أما عن أبرز التجارب العربية فهناك أسماء مثل: زياد الرحباني وتوفيق فروخ وربيع أبو خليل، والتونسي أنور برهام، ولين أديب.

المساهمون