انتهاء الدورة الـ13 (28 أبريل/نيسان ـ 4 مايو/أيار 2023) لـ"مهرجان مالمو للسينما العربية"، المتمثّل بحفلة إعلان نتائج مسابقتي الأفلام الطويلة والقصيرة، ثم عشاء وموسيقى ورقص، يدعو إلى إبداء ملاحظات نقدية إزاء مسائل عدّة، بدءاً من النتائج/الجوائز بحدّ ذاتها، غير المتَوافَق عليها بين نقّاد وأعضاء لجان تحكيم ومخرجين/مخرجات. هذا مُتدَاوَل دائماً في مهرجانات أخرى أيضاً. التوافق صعبٌ، إنْ لم يكن مستحيلاً. النتائج/الجوائز لا تعني أنّ الأفلام الفائزة أفضل، سينمائياً، من غير الفائزة.
قولٌ كهذا مُكرّر، فهناك دائماً هوّة بين أمزجة أعضاء لجان التحكيم ونقّاد/صحافيين وصحافيات سينمائيين، ولاحقاً تظهر آراء مشاهدي الأفلام ومشاهِداتها. في الدورة تلك، يُمنح "جنائن معلّقة" (2022)، للعراقي أحمد ياسين الدراجي، 3 جوائز من أصل 7: أفضل فيلم (35 ألف كرون سويدي. الدولار الأميركي يُساوي نحو 10 كرونات سويدية)، وأفضل سيناريو (الدراجي)، وأفضل ممثل (حسين محمد خليل). قلّة غير مُدافِعة عن خيار كهذا، تستند إلى جماليات متنوّعة في أفلامٍ أخرى، أبرزها "الأخيرة" للجزائريين ديمان أنوري وعديلة بن ديمراد، الفائزة بجائزة أفضل ممثلة عن دورها فيه، و"تحت الشجرة" للتونسية أريج السحيري ("العربي الجديد"، 5 مايو/أيار 2023، عن الفيلمين معاً)، الحاصل على تنويهٍ خاص، و"عَلَم" للفلسطيني فراس خوري ("العربي الجديد"، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2022)، الفائز بجائزة أفضل إخراج.
في فئة أفلام غير روائية، ينال "بطاطا"، للّبنانية السورية نورا كيفوركيان ("العربي الجديد"، 3 مايو/أيار 2023)، جائزة لجنة التحكيم الخاصة (25 ألف كرون سويدي)، وHyphen، للّبنانية رين رزّوق، جائزة أفضل فيلم غير روائي (15 ألف كرون سويدي).
أرقامٌ كهذه تُثير تساؤلاً عن آليات اختيارها لبعض الجوائز، فجوائز الإخراج والتمثيل الرجالي والنسائي غير مُلحَقةٍ بمبلغ مالي، بينما القيمة المالية لجائزة لجنة التحكيم الخاصة أكبر من تلك الخاصة بأفضل فيلم غير روائي، وهذا غير مفهومٍ، تماماً كقيمة جائزة اختيار جمهور مدينة مالمو (25 ألف كرون سويدي)، الممنوحة لـ"أجساد بطولية" للسودانية سارة سليمان ("العربي الجديد"، 3 مايو/أيار 2023).
الغالبية الساحقة من المهرجانات السينمائية، العربية على الأقلّ، التي تدفع مبالغ مالية لبعض جوائزها، غير مُساويةٍ البتّة بين الروائي وغير الروائي. فللأول مبلغ أكثر من الثاني، علماً أنّ الثاني مُحتاجٌ إلى جهودٍ جبّارة لإنجاز أعمالٍ، معظمها يجمع بين التوثيقي والخيالي، ويتناول أحوالاً وحالاتٍ وشخصيات ومسائل مهمّة للغاية، كأهمية ما تتناوله أفلامٌ روائية أيضاً. هذا يتطلّب إنتاجاً يكاد يتساوى، أحياناً، وإنتاج الروائي.
مخرجتا الفيلمين غير الروائيين هذين تمضيان أعواماً عدّة في التصوير والمتابعة واللقاءات والتوثيق، والحوار مع الشخصيتين الأساسيتين، مع ما يتطلّبه هذا الوقت كلّه من جهدٍ وتفكير وتنبّه دائمٍ إلى كيفية بناء فيلمٍ متماسك، رغم السنين والساعات الطويلة من التصوير. زمن الأفلام "التسجيلية" منتهٍ، والوثائقي الحديث يتحرّر كلّياً من القواعد الكلاسيكية البائدة، والخيال (أحياناً) يُكمِل شيئاً من التوثيق السينمائي، أو يترافق وإياه في سرد حكاية، وتناول مسألة، والبحث في أعماق مخفيّ أو محجوب أو محرّم المسّ به. فيلما كيفوركيان ورزّوق يمتلكان حساسية سينمائية مؤثّرة في كيفية مواكبتهما حكايتي ماريا (بطاطا) ونيكول (Hyphen). لكنْ، لماذا هناك فرق "مالي" بين جائزتيهما؟
إنجاز فيلم غير روائي يكاد يتشابه وإنجاز فيلمٍ روائي، جهداً ومتابعة واشتغالاتٍ فنية وتقنية وجمالية مختلفة. فلماذا يُمنح الروائي مبلغاً من المال أكثر من ذاك الممنوح لغير الروائي؟ بالتالي، لماذا تحصل الجهة الإنتاجية على المال (جائزة أفضل فيلم)، بينما تكتفي مهرجانات كثيرة بمنح تمثال الجائزة لـ"أفضل مخرج"؟
تنسحب تساؤلات كهذه على الفيلم القصير أيضاً. في المسابقة الخاصة به، في المهرجان نفسه، يُمنح "ماما" للمصري ناجي إسماعيل ("العربي الجديد"، 26 إبريل/نيسان 2023) جائزة أفضل فيلم، مع 15 ألف كرون سويدي، و"يرقة" للشقيقتين اللبنانيتين ميشيل ونويل كسرواني ("العربي الجديد"، 17 فبراير/شباط 2023) جائزة لجنة التحكيم الخاصة، و10 آلاف كرون سويدي. أما "ألمظ"، للبنانية السودانية ميا بيطار، فينال تنويهاً خاصاً. فهل يتطلّب إنجاز فيلم قصير جهداً أخفّ، وإنْ تكن ميزانية إنتاجه أقلّ من تلك المخصّصة بالفيلمين الروائي الطويل والوثائقي؟ والجهد "الأخفّ"، ألا يستحق جائزة مالية تتساوى وتلك الخاصة بالنوعين الآخرين؟
تساؤلات كهذه معنية بمهرجانات سينمائية عربية، بعضها "متواضع"، رغم تمكّنه من الحصول على دعم مالي "جيّد"، أو أكثر من جيّد، غالباً. سؤال الجائزة المالية لن يحول دون سؤال أهمّ: ماذا عن كيفية اختيار الأفلام الفائزة، رغم "عجزٍ" معروف عن حسم المسألة، باستثناء "قبول" مبدأ أنّ كلّ لجنة تحكيم مؤلّفة من أفرادٍ، لكلّ واحد منهم/منهنّ مزاج ورأي وانفعال، تنبع كلّها من لحظة المشاهدة الآنية، والمناخ المحيط بها.
هذا غير حائل دون قولٍ أساسي: الفيلم أبقى من الجائزة، إنْ يكن جيد الصُنعة أم لا، وهذا يُناقش خارج التنافس في مهرجان.