أثار افتتاح معرض "عوالم الجسد" في موسكو، يوم الجمعة الماضي، جدلاً واسعاً؛ إذ قُسم الجمهور بين فريق يمتدح المعرض العلمي الذي يكشف الكثير من خفايا الجسم البشري التشريحية منذ الولادة حتى الموت، وفريق آخر يرى فيه "إهانة" للجسد البشري، ويطالب السلطات بإغلاقه سريعاً، بعدما عطل كثير من المعارضين لسنوات تنظيم المعرض في موسكو.
وحسب موقع التظاهرة على الإنترنت، فإن مشاهدة المعرض لجميع الفئات العمرية فوق 12 عاماً "ستغير حياتك، وتسمح لك بالنظر إلى جسدك بطريقة جديدة". وأوضح القائمون على المعرض أن الحضور يستطيعون "رؤية طبيعة بناء جسم الإنسان وخصائص وميزات الجسم، وكيف تؤثر الأعمال والعادات اليومية على الصحة".
وذكر الموقع أن المعرض سيستمر حتى يناير/ كانون الثاني عام 2022 في المركز الروسي للمعارض، "فيدنخا"، شمال العاصمة موسكو، مشيراً إلى أن الهدف هو أن يستطيع الحضور "التعرف أكثر إلى خصائص أجسامنا ومعرفة طريقة الحياة الصحية المهمة لعمل أعضاء الجسم". وأوضح أن المعرض "يكشف الطبيعة المعقدة لجسم الإنسان، ويشرح فيزيولوجيا وتفاعل الأعضاء والأجهزة بطريقة مبسطة".
تعود فكرة المعرض إلى الأخصائي في علم التشريح، العالم الألماني غونتر فون هاغنز. وبدأ العمل عليها عام 1980، قبل أن يطلقها عام 1995.
يضم المعرض أكثر من 200 عينة من أجسام بشرية كاملة، جمعت من نحو 19000 متطوع، وعولجت العينات البشرية بطريقة علمية، ابتكرها العالم الألماني مع فريق عمل. تعتمد الطريقة على مبدأ التلدين أو "التطرية"، وتسمح بحفظ الأعضاء والكائنات الحية، مع المحافظة على خصائص الأنسجة المجهرية لمئات السنين، وتمنعها من التفسخ والتعفن. وتعتمد طريقة التلدين على سحب الماء والدهون من الأعضاء البشرية، وتعويضها بنوع من البلاستيك. يقدم المعرض نحو 100 هيكل لجثث بشرية كاملة، تمثّل مراحل مختلفة من حياة الإنسان، منذ بداية تكوين الجنين، وصولاً إلى حياة الشيخوخة.
ويضم، كذلك، نماذج لأجسام رياضيين في مجالات مختلفة، مثل الهوكي وكرة القدم والجمباز والسباحة وغيرها، إضافة إلى عرض تأثير بعض العاهات والأمراض والعادات السيئة على الجسم عموماً، وعلى الأجهزة والأعضاء في شكل منفصل، مثل تأثير التدخين على الرئتين بعرض نموذجين لرئتي مدخن، وآخر غير مدخن. كما يعرض أنواع إصابات العضلات نتيجة الحركات الرياضية والحياة العادية.
وحاز المعرض حتى الآن على نحو 50 مليون مشاهدة في 35 بلداً و145 مدينة حول العالم، لكنه تعرض إلى انتقادات واسعة. ويبدو أن موسكو لن تكون استثناء في ما يتعلق بحالة الجدل العامة والحضور الكبير للمعرض.
من جهته، هاجم عضو مجلس الدوما (البرلمان) الروسي فيتالي ميلونوف افتتاح المعرض؛ إذ قال في لقاء مع قناة "زفيزدا"، إنه "ليس من المعقول عدم وجود أي شيء آخر يمكن إحضاره للعرض في موسكو غير هذه الأجسام". وأكد النائب المحافظ الذي طرح سابقاً مشروع قانون لمنع تدريس نظريات تشارلز داروين حول التطور وأصل الأنواع في المدارس أنه تقدم بطلب إلى الهيئات المختصة لإيقاف المعرض "الذي يشكل تحدياً للمجتمع".
رأت عضو هيئة حماية الطفل في روسيا غالينا أوسوكينا أنه "من الضروري إبعاد الأطفال والبالغين عن التأثير السلبي للمحتوى والمعلومات التي يقدمها المعرض".
وطالب ناشطو حركة "سورك سوروكوف"، المدافعة عن القيم الأرثوذكسية، منظمي المعرض بإغلاقه. وقالوا في بيان، إن المعرض "يخالف قيم التقاليد الروحية والمعنوية"، وأكدوا أنهم سيتقدمون بطلب إلى الادعاء العام والسلطات الأمنية. ولوح منسق الحركة أندريه كورموخين، في تصريحات لموقع "بديوم"، بأن الحركة ستنظم احتجاجات في الشارع.
ووقع نحو 39 ألف شخص، حتى ظهر يوم الأحد الماضي، على عريضة في موقع citizengo.org، طالبت عمدة موسكو سيرغي سوبيانين بحظر المعرض الذي يعد "سخرية علنية من الموتى".
وفي المقابل، استهجن المشرف على تنظيم التظاهرة في موسكو، دينيس غورشكوف، الهجوم على المعرض الذي وصفه بأنه تعليمي بحت، وأكد في تصريحات صحافية، أنه يمثل فرصة فريدة للزائرين لمعرفة بنية جسم الإنسان والتغيرات التي تحدث في مراحل العمر المختلفة، وتأثير الأمراض على تطور الجسم.
وأضاف في تصريحات لمحطة "زفيزدا"، أن "تنظيم المعرض يمثّل خطوة مسؤولة ومهمة عملنا عليها لسنوات، وروسيا باتت الدولة 36 التي تستضيف المعرض". وأكد القائمون على المعرض أن جميع أصحاب الجثث وأجزاء الجسم المعروضة وافقوا قبل وفاتهم على عرضها لأغراض تعليمية وعلمية. وفي تصريحات لعدة قنوات روسية، أكدت أنغيلينا روودي، زوجة العالم الألماني صاحب فكرة المعرض، أنها سجلت منذ سنوات أنها ستتبرع بجثتها بعد الموت لغرض العرض والدراسة.
وفي مقابل تأكيد عدد من رواد المعرض أنه "دمجٌ للفن مع الطب بطريقة مذهلة تسمح بتبسيط علوم التشريح والأمراض"، انتقدت الكنيسة الأرثوذكسية المعرض، وقال رئيس قسم العلاقة بين الكنيسة ووسائل الإعلام فلاديمير ليغويدا إن الرد السلبي من قبل الناس على المعرض "مفهوم تماماً، فالتعامل مع جثة الإنسان بعد الموت يجب ألا يكون موضوعاً تجارياً".
من جانبه، قال نائب رئيس المجمع المقدس في الكنيسة، فاختانغ كيبشيدزه، إن معرض "عوالم الجسد" لا يحمل أي طابع تعليمي، وحض الراغبين بزيارة المعرض على "وجوب التفكير في ما إذا كانوا يهينون كرامة الإنسان"، وخلص إلى أن المعرض يعد "عرضاً صادماً بمحتوى صادم".
وذكرت إذاعة "أيخو موسكفا" أن رجال الشرطة حضروا إلى المعرض بعد شكاوى عدة، لكنهم لم يجدوا فيه أي محظور يستدعي التحقيق أو الإغلاق. ونقلت أن بعضهم أشار إلى أن جزءاً من المواد المعروضة لا يختلف عما يعرض على طلاب المدارس في دروس علم الأحياء.