فرقة السبعة وأربعين... صخب إلكتروني بالعربية

17 نوفمبر 2024
صعدت خلال وقت قصير لتصبح إحدى أهم الفرق الموسيقية في منطقة الشرق الأوسط (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأسست فرقة السبعة وأربعين في عمان عام 2013، وابتكرت هوية موسيقية جديدة تُدعى "شامستب"، تمزج بين الـDubstep والإلكترونيكا والبلوز والدبكة الشامية، لتعكس القضية الفلسطينية وتنتشر بين الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

- أصدرت الفرقة ألبومها الأول "Shamstep" في 2015، وحققت شهرة عالمية بفضل مزيج الألحان الغربية والإيقاعات الفلسطينية، واستقرت في لندن حيث قدمت حفلات وجولات عالمية، وأصدرت ألبوم "وعد بلفرون".

- تناولت الفرقة في ألبوم "ساميات" المعاناة الفلسطينية، مما أدى إلى بعض المضايقات، لكنها استمرت في تقديم رسائلها الموسيقية والسياسية، لتصبح من أهم الفرق الموسيقية في الشرق الأوسط.

خلال عشر سنوات، استطاعت فرقة السبعة وأربعين (47 SOUL)، أن تبني جماهيرية لافتة في معظم البلدان العربية، كما استطاعت أن تجتذب قطاعات مهمة من أبناء الجاليات العربية في كثير من العواصم الغربية. منذ اللحظة الأولى لانطلاقة الفرقة عام 2013 في العاصمة الأردنية عمّان، حرص مؤسسوها طارق أبو كويك، ورمزي سليمان، وولاء سبيت، وحمزة أرناؤوط، على بناء هوية فنية واضحة تناسب فرقة فلسطينية أردنية تضع قضية الشعب الفلسطيني في مقدمة أولوياتها، عبر تبني نمط موسيقي جديد سمّته الفرقة "شامستب" أو Shamstep، وهو مزيج من موسيقى ما يُعرف بالـDubstep والإلكترونيكا، والبلوز، وأصوات الدبكة الشامية، والإيقاعات الحماسية، مع تقديم أغنيات باللغتين العربية والإنكليزية، ومعالجة نصوص تتناول النضال من أجل الحرية والعدالة، ومعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، مع تغليب أسلوب التورية والتلاعب اللفظي، الذي كان من أهم أسباب انتشار الفرقة بين الشباب، لا سيما رواد مواقع التواصل الاجتماعي. 
والـDubstep ظاهرة موسيقية حديثة نسبياً، تكونت في بريطانيا، وتحديداً في المناطق الشعبية اللندنية، مطلع الألفية الجديدة، من خلال منتجين موسيقيين من هواة التجريب. رأى كثيرون أنها تمثل ثورة في عالم الموسيقى الإلكترونية. كان عام 2003 مفصلياً لهذا النمط الموسيقي عندما صدر ألبوم Boy in da Corner لمغني الهيب هوب البريطاني ديزي راسكال، لأنه حقق جماهيرية واسعة لـDubstep، ونقلته من شوارع العاصمة البريطانية إلى أرجاء العالم، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية.
مزجت فرقة السبعة وأربعين بين الـDubstep وبين عدد من العناصر التراثية، في مقدمتها الدبكة بصيغها الشامية المختلفة، لتنتج نمطها الموسيقي الخاص فمنحته اسم Shamstep، لتشير إلى هذا المزيج الغربي المحلي الذي يتسم بتزامن إيقاعات مختلفة لخلق حالة من التعقيد تتجاور مع ألحان بسيطة (Simple Melodies). ومن خلال تناقض "البسيط" و"المعقد"، يولد قدر من الغموض الصوتي، الذي يجتذب شرائح واسعة من الشباب.

في عام 2015، أصدرت الفرقة ألبومها الأول الذي حمل اسم Shamstep، وتضمن عدداً من الكليبات. كان من الواضح أن أعضاء الفرقة اهتموا كثيراً بمراحل الإنتاج والإخراج، كما حرصوا على إيضاح نهجهم الغنائي والموسيقي مبكراً، من خلال الأغنية الأولى، أو مقدمة الألبوم. من الثواني الأولى للفيديو، سيفهم المشاهد والمستمع أنه أمام فرقة ذات طابع غربي في ألحانها وإيقاعاتها وآلاتها، ثم سيتضح له أن الأمر ليس غربياً صرفاً، وأن صوت إيقاعات الدبكة الفلسطينية يصل إليه من  الصخب الإلكتروني، ثم تأتيه الكلمات باللغة الإنكليزية لتصيبه بقدر من الحيرة، حتى وهو يقرأ ترجمتها الظاهرة على المقطع المصور: ما هي روح 47؟ ما تلك الروح في 47؟ الشام وضعت الروح في فرقة السبعة وأربعين وموسيقاها. لا يلبث المقطع مع اللغة الإنكليزية إلا ثوان، قبل أن ينتقل إلى اللغة العربية، لكن بتعابير غير مألوفة: 
"ابن العين.. ابن النهر.. ابن النبع وابن البحر.. ابن الزينكو والزنقة.. هاي الزقة وهاي إحنا.. إيش ذنبو اللي ما انعرف.. وما غيرته الروح.. ردى ردى بوجه العدا.. درب القوافي بنعرفا.. قطف الورود تلم تلم.. ربي المعبود راسما.. سنن عهود وقت الحزم.. حنا الجنود حرب وسلم.. رغم الحدود عنا حلم.. الغياب نستحمله". تتعمد الفرقة اختيار الكلمات التي يلفها الغموض في معظم أغانيها. وبقدر إمعانها في التورية والمداراة، تتسع قاعدتها الجماهيرية. عموماً، لا تحبذ الفرقة الاشتباك المباشر حول الشأن الفلسطيني.
كانت مقدمة الألبوم برقصاتها وإيقاعاتها وكلماتها كافية ليعرف المستمع طبيعة الفرقة، وليتهيأ لما سيأتي. تطرح الفرقة نفسها على الجمهور بطريقة يتقدم فيها الرقص على الغناء، والإيقاع على اللحن. وظيفتها الأولى تتمثل في تحريك المستمع ليمارس الدبكة، وإبقائه في حالة تحفز دائم من خلال المصاحبة الآلية، والتوزيع الصاخب إلى حد الضجيج.
بعد الانطلاقة بعدة أعوام، استقر أعضاء الفرقة في العاصمة البريطانية، وقدموا عشرات الحفلات في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وتعددت جولاتهم الخارجية إلى مختلف دول العالم. في يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأت الفرقة أولى جولاتها الغنائية فى العالم العربى من الأردن، حيث أحيت حفلين في عمّان على مسرح كانفاس اللوبيدة. منحت الفرقة ألبومها الثاني عنوان "وعد بلفرون"، وهو مُجمَّع شاهق يقع شرق لندن، وفيه جرت وقائع تسجيل هذا الألبوم الذي قدمته الفرقة عبر 50 حفلة في مختلف دول العالم، لكن التلاعب اللفظي لا يغيب هنا، بين "وعد بلفرون" و"وعد بلفور" وزير خارجية بريطانيا الذي تعهد بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.


لكن قدراً كبيراً من الغموض النصي تبدد في أغاني ألبوم "ساميات"؛ إذ بدت الفرقة في تناولها للمعاناة الفلسطينية كغيرها من الفرق التي تشتبك مع تفاصيل تلك المعاناة. وفي أغنية "اشهد"، جاءت الكلمات أوضح: "اشهد  يا أخو الغالي.. دفعنا الثمن غالي.. هاي الشباب قاعدة في السجون.. والي برة مسكر عليه". وفي أغنية "طلبوا" التي تشتبك بالكلمة والصورة مع قضية "الجدار العازل" كانت الكلمات أكثر وضوحاً: 
"دقدق ع المجوز ودقدقنا.. ما ضل حدى الا تسلقنا.. تقلقنا تنعرف مين إحنا.. واحنا مفرقنا الي مانحنا.. وتفضل على الصف.. الكل يتفضل على الصف.. هاي طلبوا الهوية.. هذا الصف كراهيتهم.. صف همجيتهم.. صف بشاعتهم.. يصف إستقبال يوسف إذا جاء.. بوصل على باب مغلق.. بنوا أقفاص للأطفال لإثبات إنسانيتهم.. لو بشوف الجمل حردبته بيوقع وبفك رقبته.. باختصار مش احنا عبرنا الحدود.. لا يابا بالعكس الحدود عبرتنا.. من غزة الضفة القدس للمكسيك، حنسقط.. جدار الخرساني ونبني محله جدار بشري".
ولعل هذا الوضوح كان السبب الرئيس في المضايقات التي تعرضت لها الفرقة، ومن أبرزها إلغاء دعوة الفرقة إلى مهرجان "ووماديلايد" في الجنوب الأسترالي، مارس/ آذار الماضي، بعدما تحدث المنظمون حول عدم قدرتهم على تقديم "بيئة آمنة" مناسبة للفنانين والجمهور في المهرجان بسبب الاحتجاجات المجتمعية التي تجري في أستراليا". ورداً على قرار إلغاء الدعوة، أصدرت الفرقة بياناً اعتبرت فيه أن الإلغاء يثبط الهمم ويغذي الرواية التي تعتبر الفلسطينيين مصدراً متأصلاً للخطر على الآخرين، في وقت أصبح فيه إعلاء الأصوات الفلسطينية أكثر أهمية بالنسبة إلى بقاء الحياة أو الثقافة الفلسطينية على السواء.
يحمل أعضاء فرقة السبعة وأربعين جنسيات الأردن والولايات المتَّحدة الأميركية وفلسطين، أي أنهم يجسدون بأشخاصهم مأساة الشعب الفلسطيني، سواء من يعرفون بعرب الداخل، أو فلسطينيي الشتات، لكنهم تعرفوا إلى بعضهم بعضاً من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والتقوا في العاصمة الأردنية: مغني الراب طارق أبو كويك الذي اشتهر بلقب "الفرعي" وعازف الغيتار ولاء أليف سبيت، وعازف البيانو رمزي سليمان (زين الناس)، وعازف الغيتار حمزة أرناؤوط، وكلهم ينتمون إلى عائلات فلسطينية، من عرب الداخل، لكن جنسياتهم الرسمية اختلفت باختلاف محلات إقامتهم قبل الالتقاء الفني في الأردن.

يصف الكاتب والصحافي الألماني دانيال باكس الفرقة بأنها صعدت خلال وقت قصير لتصبح إحدى أهم الفرق الموسيقية في منطقة الشرق الأوسط بقاعدة جماهيرية عالمية. لكن السبعة وأربعين لم تستطع أن تحقق هذه الجماهيرية الكبيرة إلا بإصرارها على التميز منذ اللحظة الأولى، وكانت خطتها لهذا التميز متمثلة في ذلك المزيج السحري المسمى Shamstep، الذي تمكنت به الفرقة من تقديم خطاب موسيقي اجتذبت به الشباب إلى عالمها.

المساهمون