في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أعلن الرئيس التنفيذي لـ"فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، عن تغيير اسم الشركة إلى "ميتا"، في إعادة لإطلاق علامتها التجارية بالتركيز على طموحات تتعلق ببناء "ميتافيرس"، وهو بيئة للواقع الافتراضي المشترك تراهن على أنها ستكون المنصة الكبرى المقبلة. منذ هذا الإعلان، أنفقت "ميتا" مليارات الدولارات، ووظفت آلاف الأشخاص، لتحقيق مشروع زوكربيرغ.
لكن انطلاقة الشركة ليست مبشرة، فمنصتها "هورايزون وورلدز" Horizon Worlds، إحدى ركائز "ميتافيرس"، لا تزال مليئة بالأخطاء وغير شعبية، مما دفع "ميتا" إلى اعتماد "تأمين للجودة" لبقية العام أثناء إعادة تجهيزها. كما أن بعض موظفي الشركة اشتكوا من التغيير المتواصل في الاستراتيجية التي تبدو مرتبطة بأهواء زوكربيرغ وليس بخطة متماسكة. تحدث مسؤولون تنفيذيون في الشركة أيضاً عن استراتيجيتها "المتعثرة".
والأخطار التي تحيط بالشركة كثيرة، فهي تواجه منافسة شرسة من منصة تيك توك التي تجذب المستخدمين صغار السن بعيداً من "فيسبوك" و"إنستغرام"، وهما المنصتان اللتان تدران معظم الأرباح، كما أن سياسة الخصوصية التي اعتمدتها شركة آبل حرمتها من ملايين الدولارات من عائدات الإعلانات. وانخفض سعر سهم الشركة بنسبة 60 في المائة تقريباً خلال العام الماضي، وهو انعكاس ليس فقط لاضطراب السوق عامة، ولكن أيضاً لتشكك بعض المستثمرين. في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت الشركة أنها ستجمد معظم عمليات التوظيف، وحذر زوكربيرغ الموظفين من احتمال تسريح بعضهم.
وقال المستثمر وخبير "ميتافيرس" الذي استشاره زوكربيرغ، ماثيو بول، لصحيفة نيويورك تايمز: "الضغوط التي تواجهها ميتا هذا العام حادة. يمكن أن يكون كل ما خطط له زوكربيرغ بالنسبة لعالم ميتافيرس صحيحاً، باستثناء المدة الزمنية التي افترضها لتنفيذ هذه الخطط". لكن المتحدث باسم الشركة، آندي ستون، قال للصحيفة نفسها إن الشركة متأكدة أنها لا تزال على الطريق الصحيح، وأضاف: "من السهل التقليل من أهمية التكنولوجيا الجديدة. لكن إطلاقها أصعب بكثير، وهذا تحديداً ما نفعله، لأننا نؤمن أن ميتافيرس يمثل مستقبل الحوسبة".
بعض الخطوات تشير فعلاً إلى أن "ميتا" تتقدم على منافسيها في هذا القطاع، لكن مستقبلها يعتمد على قدرتها على توفير أدوات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لعدد أكبر بكثير من الأشخاص. في فبراير/شباط الماضي، أفادت "ميتا" بأن "هورايزون وورلدز" تستقطب 300 ألف مستخدم نشط شهرياً، في حين يبلغ عدد مستخدمي موقعها فيسبوك النشطين مثلاً نحو 3 مليارات شهرياً.
تضاف إلى مشاكل "ميتا" الكثيرة تركيز المنظمين الأميركيين عليها، ففي يوليو/تموز الماضي، رفعت لجنة التجارة الفيدرالية دعوى قضائية ضد الشركة، لمنعها من الاستحواذ على شركة إنسايد، المصنعة لتطبيق للياقة البدنية يعتمد تقنية الواقع الافتراضي. تحارب "ميتا" الدعوى القضائية التي وصفتها بأنها "خاطئة بشأن الحقائق والقانون".
زوكربيرغ، المصمم على تبييض صورته العامة بعد سنوات من الانتقادات الحادة التي واجهت "فيسبوك" وسياساتها، فاجأ موظفيه حين نصب نفسه وجهاً رسمياً لـ"ميتافيرس". لكن تورطه أكثر فأكثر في هذه الجهود انقلب عليه أحياناً. في أغسطس/آب الماضي مثلاً، نشر صورة "أفاتار" لشخصيته في "هورايزون وورلدز"، معلناً أن المنصة تتوسع إلى فرنسا وإسبانيا. لكن التصميم الضعيف لـ"أفاتار" حوله إلى مصدر للسخرية والتهكم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. بعد ردة الفعل هذه، طلب زوكربيرغ ومسؤولون تنفيذيون في الشركة من الموظفين إيلاء الأولوية لشكل "أفاتار"، وفقاً لموظفَين تحدثا لـ"نيويورك تايمز". بعد أربعة أيام من المنشور الأصلي، شارك زوكربيرغ النسخة الرقمية المحدثة لنفسه، معترفاً بأن صورته الرمزية الأولى كانت "أولية". ادعى أحد الفنانين المعتمدين من قبل "ميتا"، في منشور على منصة لينكد إن، بأنه وفريقه صمموا نحو 40 نسخة من وجه زوكربيرغ، على مدى أربعة أسابيع، قبل الموافقة على النسخة النهائية. حذف المنشور لاحقاً.
في استطلاع أجري في مايو/أيار الماضي، وشمل ألف موظف في "ميتا"، قال 58 في المائة منهم فقط إنهم فهموا استراتيجية الشركة المتعلقة بعالم ميتافيرس. اشتكى موظفون من التعديل المتواصل في المهمات التي كلفوا بها، وسط التغير المستمر في أولويات زوكربيرغ. قال اثنان منهم، لـ"نيويورك تايمز"، إن الموظفين يسخرون بين بعضهم البعض، ويطلقون على مشاريع "ميتافيرس" اسم "اجعل مارك سعيداً". وفي سبتمبر، كتب نائب الرئيس المسؤول عن قسم "ميتافيرس"، فيشال شاه، على منصة رسائل داخلية، أنه يشعر بخيبة أمل بسبب قلة عدد موظفي "ميتا" الذين يستخدمون "هورايزون وورلدز"، وفقًا لمنشور حصلت عليه "نيويورك تايمز". وسط هذه الظروف، اقترح بعض الموظفين في الشركة أفكاراً غير تقليدية لجذب مستخدمين جدد. هذا الصيف، اقترح ثلاثة موظفين في "ميتا" تسويق سماعات الرأس التي تعتمد تقنية الواقع الافتراضي للأميركيين الذين حصلوا على إعفاء من ديون الطلاب من إدارة جو بايدن.