للوهلة الأولى، لا تلفت قناة Moon التي تأسست على "يوتيوب" عام 2020 الاهتمام، فشعارها مستوحى من فيلم "رحلة إلى القمر" (1902) للفرنسي جورجيس ميليس. وصور الفيديوهات فيها أقرب إلى تلك التي نراها حين ننزلق في حفرة "يوتوب" لنجد أنفسنا أمام نظريات المؤامرة (ربما هذا الأسلوب الوحيد للوصول إلى القمر). لكن القناة التي يتجاوز عدد متابعيها الـ400 ألف أشد خطراً، إذ تعرّف عن نفسها بأنها تقدم تعليقاً سياسياً، وهذا ما نراه حين نشاهد الفيديوهات التي تتخللها إعلانات ينطقها المقدم ذاته، والذي يحاول كشف حقيقة ما يجري العالم والإشارة إلى ما تحاول وسائل الإعلام إغراقه في الظلام.
لا نعلم اسم المقدم ومعد الفيديوهات، خصوصاً أنه يتحدث دوماً عن عداوته مع "يوتيوب" نفسه، والذي يقوم بحذف بعض فيديوهاته لما تحويه من حقائق وتعليقات خفية عن الجمهور. لكن، ما الذي يتحدث عنه؟ ببساطة يمكن القول إن الرأسمالية، ووسائل التواصل الاجتماعي كيوتيوب وفيسبوك وتويتر ونتفليكس وأمازون، وسياسات الهوية والأغنياء، وكل ما هو قائم، ينتمي بالضرورة إلى عالم "الشر". فهذه الشركات والشخصيات ليست كما نظنها، لأنّ هدفها الخفي هو أخذ أموالنا والتلاعب بعقولنا. لا شيء جديد في هذا، لكن الملفت هو وجود فيديوهات عن أفلام بعينها مثل Fight club وTruman Show، وغيرهما. هذه المنتجات الثقافية تختلف عن غيرها بأنها تقدم "الحقيقة".
الخطاب الذي تحويه الفيديوهات المليئة بالإثارة و"الحقائق" والأرقام التي لا نعرف صحتها هو التالي: شكل العالم الحالي، يُهدد أولاً حرية التعبير (هذا أيضاً شأن لا يمكن إنكاره)، فمنصات التواصل الاجتماعي تمارس الرقابة، وتهدد حرية الحماقة والسذاجة والشتم، لكن لم كل هذه الاستراتيجيات؟ من تستهدف؟ لا داعي لمشاهدة كل الفيديوهات، يكفي واحد منها لنعرف الفئة المستهدفة: الرجال.
ما يثير الاهتمام في القناة وفيديوهاتها هو الجهد البلاغي السطحي المبذول للإشارة إلى مأساة الرجال الرجوليين، العاطفيين، الباحثين عن إنسان الكهف داخلهم، والذين تحولوا بسبب شكل العالم الحالي وأخلاقه إلى حيوانات أليفة. هم المحرومون من العلاقات الحقيقية والغارقين أمام شاشاتهم، والسبب طبعاً غياب حرية التعبير. هذه النتيجة ليست طردية حين نشاهد الفيديوهات للمرة الأولى، بل نتاج استراتيجيّات متداخلة، وهنا يظهر الحذر، لا يشير المعلق إلى من يضع هذه الخطط، فهل هم النسويات؟ الماسونيون؟ أصحاب الشركات الكبرى؟ لا نعلم. يترك الأمر لنا لاكتشافه، وهنا تظهر ألاعيب الذكورة الجديدة، لعب دور الضحية عبر تبني أدوات النقد الثقافي والسياسي الموجهة للرأسمالية وثقافة الاستهلاك.
ذكرنا أن القناة تحوي تعليقات على منتجات ثقافية كـ Fight Club وThe Truman Show وAmerican Psycho، وهناك أيضاً مسلسل Breaking Bad. ونكتشف حين نشاهد الفيديوهات الخاصة بها أن المُعلق متعافٍ من إدمان الأفلام الإباحية، وأن كل هذه الأفلام والمسلسلات تتحدث عن رجال محبطين، يحاولون "تحطيم" عالمهم وامتلاك زمام المبادرة والسيادة على أنفسهم. لكن الغريب أنها من وجهة نظر المعلق تقدم نماذج يجب الاحتفاء بها حالياً، خصوصاً أن الرجال الآن مثيرون للشفقة، ولا بد من إنقاذهم، هم أسرى الشاشات، بصورة أدق أسرى ألعاب الفيديو والفيديوهات الإباحية، أي بصورة ما، فقد الرجال رجولتهم بسبب شكل العالم الحالي، هم ضحايا، والسبب للمفارقة عجزهم عن التعبير عن أنفسهم.
لا غريب إذاً حين تتجاهل كل الفيديوهات في القناة وجود النساء، لا لأن القناة موجهة للرجال، بل لغياب أي مفهوم للمساواة أو حرية التعبير فيما يخص المرأة، تلك التي حسبما نفهم من القناة استغلت وسائل التواصل الاجتماعي لا لتشكل جماعات ضغط أو التعبير عن نفسها أو كشف الظلم الواقع عليها، بل لإنتاج محتوى إباحي يهدف إلى الهيمنة على الرجال و إقصائهم.
هذا الخطاب الشعبي الذي تقدمه القناة يجد في الانتقادات الموجهة لسياسات الهوية، وعلاقتها مع حرية التعبير ومفاهيم الاتهام والعدالة، مطية كي يبث سمومه ومفاهيمه التعميمية، مُعيداً تكوين المفاهيم عبر أمثلة مختلفة عن تلك الجديّة، لنرى أنفسنا أمام فيديوهات لنظرية المؤامرة، تستفيد من الجهود الجديّة، وتحاول إعادة تقديمها كعلامات على انهيار العالم، والسبب أن الرجال فقدوا رجولتهم، هكذا بكل بساطة دون أي فهم لطبيعة التغيرات التي يمر بها العصر.