في يومٍ ما، كان الألمنيوم نادراً، ومن أغلى المواد. حتى أن مصممي نصب واشنطن التذكاري، الذي يتمثّل بمسلة ضخمة بنيت قرب مبنى الكونغرس عام 1885 تكريماً للرئيس جورج واشنطن، وضعوا في أعلاه مسلة صغيرة من الألمنيوم، إذ كان في وقتها صعب التجميع، وكان عملاً فذاً أنهم حققوا ذلك، ولكن بعد سنوات قليلة، اكتشفت تقنية لإنتاج الألمنيوم بكميات كبيرة وأصبح رخيص الثمن.
ماذا عن الألماس؟ هل نستطيع التمييز بين الألماس الطبيعي وذلك الصناعي؟ علماً أن الفرق بينهما في الثمن يتجاوز 90 في المائة لصالح الطبيعي؟ يكشف الفيلم الوثائقي Nothing Lasts Forever (لا شيء يدوم إلى الأبد) عن صعوبة التفريق بين الماس الطبيعي ونظيره الصناعي، بل ويقول علماء وخبراء استضافهم العمل إن الصناعي أنقى وأكثر جودة، وبالتأكيد أرخص كثيراً من ذلك الطبيعي.
بالمناسبة، يستعير المخرج الأميركي جيسون كون عنوان فيلمه من مقولة لشكسبير، ليعاكس الشعار الذي أطلقته شركة دي بيرز، والتي كانت تسيطر على 90% من تجارة الماس، وهو شعار "الماس للأبد".
أسس سيسل ردوس شركة دي بيرز عام 1888، بتمويل من عائلة روتشليد، واستحوذت على 90% من تجارة الألماس عالمياً حتى زمن قريب، وبقيت تملك حتى الآن قرابة 30% من سوق الماس، وقررت أخيراً، كما صرح ستيفن لوزر وريث عائلة أوبنهايمر المالكة، بيع الألماس الصناعي إلى جانب الطبيعي.
تؤكد مصممة المجوهرات آجا رادن، في الفيلم، أن الألماس الطبيعي كذبة كبيرة، والألماس الصناعي كذبة عن الكذبة. وتدحض فكرة أن الألماس نادر الوجود، وتؤكد من خلال عملها في هذا المجال أن "هناك ما يكفي من ألماس الطبيعي لكل فرد من البشرية للحصول على خاتم ماس وزنه نصف قيراط ويتبقى نصف مليار قيراط".
ويتحدث خبراء وتجار وصناع من مهنة صقل وتصميم وبيع المجوهرات، عن غزو الماس الصناعي وعن خلطه بالماس الطبيعي، وليس هناك من وسيلة للتحقق من ذلك. ونشاهد في الفيلم مصانع صينية ضخمة مختصة بإنتاج الألماس الصناعي وبكميات لا حد لها، ويكشف أصحابها أن إنتاجهم يصل إلى مدينة سورات الهندية عاصمة الألماس في العالم؛ حيث يعاد صقله وتشكيله وخلطه، ومن ثم إعادة تصديره مع شهادات حقيقية أو مزيفة من مجلس الألماس. نذكر أنه في سورات الهندية، يتم تقطيع وصقل 90% من الألماس الخام في العالم، ويرتبط بهذه الصناعة مليون شخص تقريبا من سكانها.
يؤكد تجار ألماس (كارتيل ألماس) على ضرورة التمييز بين النوعين وعلى ندرة الطبيعي ورمزيته، فنرى مارتن رابابورت، مالك شركة رابابورت، وهي من يحدد سعر الألماس عالميا، يقول: "الألماس الطبيعي يجلب معه الشعور بالاختلاف والشعور بالثقة، وبالتأكيد هناك فرق بين أن تعلق في بيتك نسخة من لوحة بيكاسو، حتى لو لم يكشف الناس ذلك وأن تعلق لوحة بيكاسو الحقيقية. الألماس تعبير عن الالتزام وخاتم الزواج يجب أن يكون باهظ الثمن".
سبق هذا العمل الوثائقي فيلم روائي وضع الكثير من الأسئلة حول استخراج وتجارة الألماس في العالم، وهو فيلم Blood Diamond، إنتاج 2006 وإخراج إدوارد زويك وبطولة ليوناردو ديكابريو. وبعد صدور الفيلم وترشحه لجوائز أوسكار، اضطر كارتل الألماس لاستحداث آلية "كيمبرلي" لتأكيد أن الألماس لا يرتبط بالنزاعات المسلحة، إلا أن تقارير وأفلاماً تؤكد أن الألماس الملطخ بالدم ما زال في السوق.
الآن يعرض على شبكة نتفليكس مسلسل محدود من ثماني حلقات بعنوان "عائلة الألماس"، يتحدث عن انتقال صناعة وتجارة الألماس من عائلة يهودية من مدينة أنتويرب البلجيكية، والتي كانت تعتبر نفسها مدينة الألماس، إلا أن دورها بدأ يتراجع لصالح سورات الهندية وتل أبيب.
سنتطرق إلى الألماس الدموي الأفريقي والإسرائيلي في زاوية قادمة.