استمع إلى الملخص
- **تاريخ فن الكوميكس وتطوره**: يغطي المعرض ستة عقود من إبداعات الكوميكس، ويعرض أعمالاً لأكثر من 130 فناناً، مقسمة إلى 12 موضوعاً رئيسياً تشمل التاريخ والخيال العلمي والرعب.
- **التجارب العربية في فن الكوميكس**: رغم غياب الإشارة للتجارب العربية المبكرة، يشارك فنانون عرب بارزون مثل رياض سطوف وزينة أبي راشد، مما يعكس الحضور العربي الدولي.
يستضيف مركز جورج بومبيدو في باريس معرضاً مخصصاً لفن الشرائط المصورة (كوميكس)، وهو معرض استثنائي يختلف عن العروض السابقة التي استضافها مركز الفنون الباريسي سابقاً. ما يميز هذا المعرض الاستثنائي ليس أنه يشغل كافة مساحات وأروقة المركز وحسب، بل لكونه يجمع لأول مرة أطياف الفن التاسع في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة تحت مظلة واحدة.
على الملصق الدعائي للمعرض الذي صممته رسامة الكوميكس الفرنسية فاني ميكاليس، يظهر مركز بومبيدو للفنون في هيئة كائن خُرافي مهول، تتشكل ملامحه من تقاطع لدوائر ومستطيلات وأنابيب معدنية عملاقة، بينما تتحرك بين فراغاته الملونة شخصيات الكوميكس الشهيرة. هي صورة تعكس طبيعة المعرض وتعبر ببساطة عن عنوانه "كوميكس في كل طابق" إذ تحتل المعروضات جميع مساحات العرض داخل المركز، فلا تترك للزائر فرصة لالتقاط أنفاسه. يدرك منظمو المعرض كثافة هذه الجُرعة البصرية جيداً ومدى ثقلها على المتلقي، لهذا خُصصت غرف للمطالعة في كل طابق مساحاتٍ لالتقاط الأنفاس. في هذه الغرف، يمكن لزائري المعرض العثور على إصداراتهم المفضلة واستعادة ذكريات طفولتهم ومراهقتهم مع شخصيات الكوميكس التي ارتبطوا بها.
يستمر المعرض حتى الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المُقبل، كما يعكس اهتماماً متزايداً بفن الشرائط المصورة في فرنسا على نحو خاص. بلد يستضيف سنوياً أهم مهرجان دولي لفن الكوميكس "أنغوليم". يتتبع المعرض بدايات فن الشرائط المصورة في مراكزها الثلاثة الرئيسية: أوروبا واليابان والولايات المتحدة، بحسب البيان المُصاحب للمعرض. تجمع التظاهرة بين أغلفة مجلة بارباريلا التي أصدرها الرسام الفرنسي جان كلود فورست عام 1962، إلى جانب أغلفة قديمة من مجلة "غارو" اليابانية المتخصصة في رسوم المانغا، التي صدر عددها الأول عام 1964. كما يُطالعنا المعرض أيضاً بعدد من الرسوم والأغلفة المُهمة من مجلة "زاب" التي أصدرها رسام الكوميكس الأميركي الشهير روبرت كرامب عام 1968 وكانت سبباً محورياً في شهرته وتصدره مجال الكوميكس في الولايات المتحدة. يذهب الناقد الأميركي ستيفن هيلر إلى أن مجلة "زاب" كانت سبباً رئيسياً في إطلاق مصطلح كوميكس (Comics) على فن الشرائط المصورة، إذ ظهرت الكلمة لأول مرة على أغلفة الأعداد الأولى للمجلة، كما يقول الناقد الأميركي، على هذا النحو: CO MIX، للإشارة إلى المحتوى الهزلي للمجلة الذي يمزج بين القصص والرسوم الساخرة.
يغطي المعرض نحو ستة عقود من إبداعات فناني كوميكس عالميين، إذ يمكن للزائر أن يطالع رسوماً وأغلفة لإصدارات قديمة تعود إلى بداية الستينيات من القرن الماضي إلى جانب أغلفة ورسوم رقمية حديثة. يتفق منظمو المعرض، كما يقول مدير مركز بومبيدو سيرج لافين، على أن عقد الستينيات يمثل البداية الفعلية لثورة الكوميكس في أوروبا والولايات المتحدة واليابان. ابتداءً من هذا العقد، تحوّل الكوميكس من فن هزلي مخصص للصغار إلى محتوى جذاب يسعى إلى اكتساب جمهور أوسع من البالغين. في هذا العقد، ظهر العديد من الإصدارات الجريئة على امتداد القارات الثلاثة، على هيئة دوريات أسبوعية أو مساحات ثابتة داخل الصحف. استقر حضور الكوميكس أيضاً في عالم الأدب وتحول مع الوقت إلى أحد أهم الصيغ المُعاصرة للتعبير الأدبي.
يجمع المعرض بين مئات الرسوم والأغلفة ودفاتر الرسم، ويستحضر أعمالاً مُهمة لأكثر من 130 من فناني الشرائط المصورة. يشمل المعرض أيضاً إطلاق كتاب يضم عدداً من الكتابات حول كل موضوع من الموضوعات الحاضرة في التظاهرة.
هنا، يكتشف الزائر البدايات الكلاسيكية لمجلات الشرائط المصورة قبل أن يمر على نماذج من إبداعات المنصات الرقمية الجديدة، التي أحدث بعضها ثورة في الصياغة والموضوعات في عالم القصص المصورة.
ينقسم المعرض إلى 12 موضوعاً رئيسياً تغطي أغلب الموضوعات التي يتطرق إليها فن الشرائط المصورة، كالمُحتوى التاريخي والخيال العلمي والرعب والمحتوى الساخر والرومانسي والسيرة الذاتية، وغيرها. ويحظى رواد الكوميكس البارزين بست مساحات عرض تضم أعمالاً مهمة لآباء فن الكوميكس. بين هذه الأسماء، يطالعنا الرسام الأميركي جورج هيرمان (1880- 1944) الذي اشتهر بسلسلته المصورة "كريزي كات"، التي يضعها مؤرخو الكوميكس في المرتبة الأولى ضمن أفضل سلاسل القصص المصورة في القرن العشرين.
على الرغم من هذه الشمولية التي يتسم بها المعرض، فإنه يخلو من أي إشارة إلى التجارب العربية المُبكرة في فن الكوميكس، التي واكب بعضها النهضة الكبيرة لهذا الفن في أوروبا والولايات المتحدة خلال الستينيات. هذه التجارب العربية التي أُغفلت لم يكتب لبعضها الاستمرار، إلا أن كثيراً منها اتسم بالجدية وتمتع بقبول وانتشار نسبيين في المنطقة العربية. لا نستطيع أن نغفل مثلاً مجلة سندباد التي كان يرسمها الفنان المصري حسين بيكار في الخمسينيات، ومجلة سمير التي صدرت أيضاً في خمسينيات القرن الماضي عن دار الهلال المصرية. كما لا يصح التغاضي عن الدور الذي اضطلعت به دار المطبوعات اللبنانية في تعريب العديد من الإصدارات العالمية. بين التجارب العربية المُبكرة، تبرز أيضاً مجلة الصبيان السودانية التي صدرت في أربعينيات القرن الماضي. وحديثاً، كان هناك العديد من التجارب المهمة والمؤثرة مثل مجلتي الدوشمة وتوكتوك في مصر والسمندل في لبنان، ومجلة سكفكف المغربية، وغيرها من التجارب الأخرى المُشابهة.
على الرغم من إغفال العرض التجارب العربية والأفريقية في سرده البصري لتاريخ فن الشرائط المصورة، فإن المعرض لم يخل في الحقيقة من وجود أسماء عربية بارزة. فبين قائمة الفنانين المُشاركين، نطالع اسم الرسام السوري الفرنسي رياض سطوف، والرسامة والكاتبة اللبنانية زينة أبي راشد. لا بُد من الإشارة هنا إلى أن رياض سطوف صاحب سلسلة "عربي المستقبل" قد فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان أنغوليم الدولي الخمسين لفن الشرائط المصورة العام الماضي. أما الرسامة اللبنانية زينة أبي راشد، فهي واحدة من الأسماء المهمة في مجال الشرائط المصورة على المستوى الدولي، ولها العديد من المؤلفات، أحدثها كتاب النبي لجبران خليل جبران.