مايكل دوغلاس: صهيونيّ يعتدّ بجهله ورعونته

12 يوليو 2024
ديماغوجيا ودعاية منافقتان (ستيفان كاردينال / Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **شهرة مايكل دوغلاس**: رغم عدم تميزه بموهبة استثنائية، حقق دوغلاس شهرة عالمية من خلال أفلام مثل "وول ستريت" وأعمال تلفزيونية مثل "فرانكلين".

- **زيارته لإسرائيل وتصريحاته**: زار دوغلاس إسرائيل خلال أحداث غزة، وأدلى بتصريحات تعصبية وعنصرية، مؤكدًا على يهوديته بشكل متعصب، مما أثار استياء الكثيرين.

- **تأثير والده كيرك دوغلاس**: تأثر مايكل بوالده كيرك، الذي عاد إلى يهوديته بعد حادث، مما دفعه للتمسك بهويته اليهودية بشكل متعصب وساذج.

خلال مسيرته حصد مايكل دوغلاس (1944)، شهرةً وشعبيةً عالميتين، وبطولاتٍ معروفة من "وول ستريت" (1987) لأوليفر ستون، الفائز عن دوره فيه بأوسكار أفضل ممثل، إلى السلسلة التلفزيونية "فرانكلين" (2024) لكيرك أليس وهاورد كوردر (ثماني حلقات، "آبل تي في بلس")، التي يمثّل فيها شخصية أحد الآباء المؤسّسين للولايات المتحدة الأميركية، وبينهما أفلام ومسلسلات وأعمال مسرحية. ولعلّه كان يُفترض به أنْ يكون أكثر حكمة وإنسانية في حوارات معه، عن أيّ قضيّة أو نزاع في العالم، خاصة مأساة قطاع غزّة.
قد يُتوقّع من ممثّل أن يُظهر توازناً إنسانيّاً، وأن يستنكر كأقران وزملاء كثيرين، في مُقدّمتهم سوزان ساراندون التي تضاهيه نجوميةً وتفوقه إنسانيةً، الإبادة الوحشية التي تُرتكب بحقّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، التي هزّت العالم ولم تهزّ ضميره. كان جائزاً ومقبولاً لو ساوى، على الأقلّ، بين طرفي النزاع، ورفض القتل والعنف من الجانبين، مع أنّ في ذلك ظلماً للمذبوح المُحاصَر منذ ما قبل 7 أكتوبر 2023.
لكنّ غير الجائز وغير المقبول أنْ يزور إسرائيل بعد الحدث الكبير، في ذروة الإبادة، ويتجوّل في مستوطنات، ويلتقط صُوراً مع قاطنين فيها، ويحلّ ضيفاً على القناة 12 الإسرائيلية، قائلاً كلاماً يقطر تعصّباً وعنصريةً وافتخاراً مُتكرّراً في المقابلة (13 دقيقة، متاحة على "يوتيوب") بيهوديته، بتعصّب أكثر بكثير من الدين، ومن انحياز فظّ وغير إنساني أكثر بما لا يقاس من عمق الانتماء إلى معتقد ديني وقيم ومبادئ.
ظلّ مايكل دوغلاس يُذكّر محاورته (دانا ويس) بأنّه يهوديّ الأب (كيرك دوغلاس). لكنْ، بما أنّ أمّه (داينا ديل) بروتستانتية، لا يُعتَبر بحسب الشرع يهوديّاً (الأم غير يهودية). مع ذلك، يُصرّ على أنّه يهوديّ، وأنّ ابنه وابنته من زوجته غير اليهودية، الممثلة كاثرين زيتا جونز، احتفلا بطقس الـ"بَرْمتسفاه" لدى بلوغهما سنّ التكليف بالواجبات والمسؤوليات الدينية عند اليهود. بينما أمّهما، بريطانية الأصل، كاثوليكية، وجدّتهما لأبيهما بروتستانتية أيضاً، فلا الأب يهوديّ بحسب الشرع الدينيّ، ولا الولدان على القاعدة نفسها. مع ذلك، يُصرّ دوغلاس الابن على أنّه يهوديّ، هوساً وتعصّباً وعناداً.
تشكره ويس على "تنكّبه" المجيء إلى "إسرائيل" في ظروف مماثلة، فيؤكّد لها أنّه لم يتردّد رغم الوضع الاستثنائيّ، ويقول حرفيّاً: "بعد المأساة والمجزرة (بحسب تعبيره) في 7 أكتوبر، وصدمة الناس، أعتقد أنّنا ألفنا التفكير في إسرائيل بكونها قوة مطلقة. أعادونا إلى الوراء بسبب الشعور بالضعف". هنا ينقطع الحوار لإمرار شريط مُصوّر عن زيارته منطقة حفل نوڨا، قريباً من الحدود مع قطاع غزّة، وعن لقائه شابة احتُجز والداها ونُقلا مع المحتجزين الصهاينة الآخرين إلى القطاع، ويظهر مايكل دوغلاس حاملاً هاتفه الخاص لتصوير مقابلته مع الفتاة في منزلها المتضرّر، فتسرد رواية الاختطاف على طريقتها، في بروباغندا مكشوفة من الجانبين.
في الحوار، يتأسّى مايكل دوغلاس على الدمار في المستعمرات الصهيونية، ويحزن للأضرار وفقدان الأمان، مُعتبراً أنّها "اللحظة التاريخية الأعظم منذ إنشاء الكيان عام 1948". تقاطعه ويس: "تعتقد أنّه الاستقلال الثاني لإسرائيل؟"، فيجيبها: "بلى، من الناحيتين العسكرية والمدنية. انفطر قلبي". يكمل زياراته لعائلات محتجزين آخرين، وهناك شاب يتأسّف مايكل دوغلاس كثيراً على مقتله، وعلى مطالبة ذويه باسترداد جثته، وتكاد تدمع عين واحدة من عينيه، لأنّ الثانية لا يرى فيها عشرات ألوف الشهداء في غزّة، أطفالاً ونساءً وشيباً وشبّاناً، فهو مصاب بعمى أخلاقي.
عبثياً، يتأسّف العجوز دوغلاس، الذي فَقَد بالتأكيد، كالرئيس الذي يدعمه شخصياً جو بايدن، كثيراً من صفاء الذهن وقوة البصر والبصيرة، ويستغرب "عدم نيل المحتجزين دعم الصليب الأحمر الذي لم يتّخذ موقفاً قوياً". يستنكر موقف الأمم المتحدة من المحتجزين. نستمع إلى كلامه ونشاهده، فنتعجّب وننذهل: هل يُعقل أنْ يتكلّم حصراً عن بضع عشرات من المحتجزين الإسرائيليين؟ ولا ينطق بكلمة أسف واحدة على عشرات ألوف القتلى والجرحى والمعوّقين الذين يسقطون يومياً في قطاع غزّة منذ تسعة أشهر؟
أمر سورياليّ لا يُصدّق. أهذه ديماغوجيا ودعاية منافقتان، أم عقل وإحساس جَفّا؟ غير معقول وغير مقبول ما تفوّه به دوغلاس في هذه المقابلة القصيرة، التي أفرغ فيها كلّ عنصريته وتعصّبه وانعدام حسّه الإنساني.
يتحدّث بطريقة مضحكة عن "انفطار قلب ولديه" يوم السابع من أكتوبر، وعن "رهافتهما"، فيا للقلوب الحسّاسة ورهافة المشاعر التي تجعل أشخاصاً يتأثّرون بمقتل إسرائيليين، ويُصفّقون ويؤيّدون محاصرة قطاع غزة، ولا يرمش لهم جفن لإبادة عشرات ألوف المدنيين في القطاع المنكوب والمحاصَر منذ عقود. من أي صنف بشريّ كل من دوغلاس وولديه الجاهلين؟
لا يتردّد الممثل الأميركي في نعت التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة بأنّها من تنظيم فلسطيني (!)، وبأنّها عدوانيّة (!)، إذْ اضطرّ مؤيدو إسرائيل إلى إخفاء نجمة داود التي يضعونها حول أعناقهم (!). لو كان هذا صحيحاً، وهذا غير صحيح وديماغوجيّ منافق، فيا لشدّة معاناة هؤلاء. يستعيد أيام الدراسة الثانوية، وأجواء معاداة السامية التي شهدها في إطلاق اتهامات لليهود بالهيمنة على عالم الأعمال، ما أشعره بالغضب، وبمزيد من الإحساس بانتمائه اليهودي. كان ذلك في تعبيره أوان "اليقظة الكبرى".

لا يأنف من وصف إسرائيل بـ"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". إنّه مُحقّ، لأنّ تصرّفاتها مع فلسطينيي الداخل تؤكّد ديمقراطيتها، وكذلك بين الفئات اليهودية نفسها في الكيان، إلى جانب فلسطينيي غزة والضفة الغربية. إنّه خير تطبيق للديمقراطية، وفق رؤيته المشوّشة.

مايكل دانييلوڨيتش الاسم الأصلي بحسب اسم عائلة والده ذي الأصل البيلاروسي. تحوّل مع الهجرة إلى الولايات المتحدة إلى دوغلاس. مايكل شديد التأثّر بوالده، الممثل والنجم الهوليوودي كيرك. يروي الابن حادثة وقعت مع أبيه، يوم تعرّض إلى حادث سقوط طوافة قُتل قائدها الشاب المتدرّب، ونجا هو وكان عجوزاً يبلغ 83 عاماً. بسبب نجاته، ارتدّ بقوة إلى يهوديته، وشرع في قراءة العهد القديم كعربون شكر لله على نجاته. لم يفكر كيرك للحظة أنّ موت قائد الطوافة الشاب، وبقاءه حيّاً، ليسا دليلاً دامغاً على رأفة إلهية تفضّل حياة عجوز على حياة شاب، قضى والعمر له وأمامه.
يقول مايكل إنّ يقظة أبيه على يهوديته، التي أهملها في حياته ونجوميته، خلّفت تأثيراً بالغاً لديه، وأيقظته بدوره على يهوديّته، التي ظلّ يعتدّ بها في هذه المقابلة بهوس وسطحية وسذاجة. السذاجة يمكن التغاضي عنها، لكنّ التعصّب وانعدام الحسّ الإنسانيّ وفقدان روح العدالة والموضوعية صفات قبيحة جداً لا يُمكن تجاوزها والتسامح بشأنها لأيّ سبب.

المساهمون