تحتل كرة القدم شعبية أكبر من أي رياضة أخرى حول العالم، حتى أن أشهر لاعبيها ينافسون بشعبيتهم مطربي البوب ونجوم السينما العالميين. أيضاً، تلقي هذه اللعبة الضوء على مشجعين اشتهروا بمساندة فرقهم على المدرجات خلال أي بطولة.
لكن بعض المشجعين اكتسبوا شهرتهم بدرجة رئيسية خلال البطولة الأبرز لكرة القدم، أي كأس العالم، وهناك من أصبح علامة بارزة على المدرجات، إلى حد أنهم يحظون بسمعة واسعة كمشجعين في بلدانهم، وأيضاً على مستوى أوسع لكثرة ما تناولتهم وسائل الإعلام.
لاريسا وكلوفيس
هناك كثير من المشجعين كانت لهم شهرة خلال بطولة بعينها. على سبيل المثال، عارضة الأزياء الباراغوانية لاريسا ريكيلمي (Larissa Riquelme)، ذاع صيتها في مونديال جنوب أفريقيا 2010، ولُقبت حينها بملكة جمال المشجعات. وتواظب ريكيلمي على حضور مشاركات منتخب بلادها في بطولة "كوبا أميركا"، لافتةً الأنظار إليها دائماً.
وكما تحتفي اللعبة بلحظات غير قابلة للنسيان على المستطيل الأخضر، تلوح على المدرجات ملامح الفرح أو الحزن. ومن مشاهد مونديال إيطاليا 1990، نتذكر فتاة برازيلية باكية، والدموع تُذرف من عينيها الزرقاوين، عندما أُقصيت البرازيل من دور الـ16 على يد الأرجنتين. لكن مثل تلك اللحظات المؤثرة تمضي في حال سبيلها؛ إذ لا تصنع مشجعاً كأيقونة.
فشهرة المشجعين ناتجة عما يشكلونه أيضاً من ذاكرة على مدرجات ملاعب كأس العالم. وكرة القدم البرازيلية لا يقتصر بريقها على نجومها الأساطير، أو على ما حققته من بطولات عالمية، أيضاً لديها المشجع الأشهر في العالم.
لم يكن كلوفيس أكوستا فيرنانديز (Clovis Acosta Fernandes)، يعتقد أنه سيصبح أحد أشهر المشجعين في العالم. قرر الرجل، في عام 1990، بدافع شغفه تجاه كرة القدم، ترك مهنته كمالك لمطعم بيتزا، ليرافق منتخب بلاده في مونديال إيطاليا. وأسس مجموعة للمشجعين البرازيلين، وأشتهر بظهوره على المدرجات مؤازراً البرازيل في المونديالات، حاملاً مجسماً مقلداً لكأس العالم.
ومنذ مونديال إيطاليا، لم يفوت أكوستا بطولة كأس عالم، آخرها في موطنه البرازيل عام 2014. لكن الموت غيبه في سبتمبر/ أيلول 2015 بعد صراع مع مرض السرطان استمر لتسع سنوات. مع هذا، تخلد حضوره بدرجة كبيرة في المدرجات، في لحظة مؤثرة خلال هزيمة البرازيل أمام ألمانيا بسباعية مقابل هدف. والتقطته الكاميرات محطماً وغارقاً بالدموع، بينما يمسك بكأسه المقلدة.
في وقت لاحق، قدم نسخته من كأس العالم لمشجع ألماني، قائلاً له: "خذها إلى النهائي، ليس الأمر هيناً، كما ترى، لكن تستحقها"، في إشارة إلى ألمانيا التي وصلت إلى النهائي لتواجه الأرجنتين، وحققت اللقب بالفعل.
حضر المشجع البرازيلي خلال ربع قرن 150 مباراة رفقة السيلساو في 60 بلداً. توزعت المباريات بين بطولة كأس العالم وبطولات كوبا أميركا وكؤوس القارات وبطولات الأولمبياد. كما أنه حضر سبع مباريات نهائية لبطولة كأس العالم، أي تلك الممتدة من مونديال إيطاليا 1990، وحتى مونديال البرازيل 2014. وبسبب شهرته كمشجع، شارك في بعض الحملات، منها كان ضد العنصرية.
كليمان توماسزيفسكي
عندما حضر أكوستا في إيطاليا عام 1990 أول بطولة كأس عالم في حياته، كان المشجع الفرنسي كليمان توماسزيفسكي (Clément Tomaszewski)، الذي يكبر أكوستا بعامين، قد انخرط في عالم التشجيع قبل عقد من المشجع البرازيلي.
ورغم مسيرة المشجع الفرنسي، ذي الرابعة والسبعين من عمره، الأغزر في عالم التشجيع، لم يحظ بشهرة نظيره البرازيلي نفسها. وحضر توماسزيفسكي في ثمانية مونديالات، آخرها في روسيا 2018، بما في ذلك مونديال إيطاليا، رغم أن منتخب بلاده لم يشارك في إيطاليا.
ومنذ أن كرّس نفسه للتشجيع، حضر ثلث المباريات الدولية التي لعبها المنتخب الفرنسي. يجسد توماسزيفسكي ذروة الولع في كرة القدم كمشجع. فخوفه من الطيران لم يعقه عن السفر للمشاركة في البطولات، إذ إن شغفه أقوى من الخوف، كما سبق وعبر عن ذلك.
وخلال مشاركته في بطولات كأس العالم، استطاع أن يكون صداقات رغم أنه لا يجيد أي لغة أجنبية. ففي كأس العالم، كما يقول، الجميع يتحدث لغة واحدة، تتمثل بتشجيع الفرق والاحتفال، من دون البحث عن المتاعب. وهو النموذج الذي تشجعه "فيفا"، وأيضاً البلدان المستضيفة.
اكتسب المشجع الفرنسي شهرته في عالم كرة القدم، وأصبح يُعرف باسم Clement d'Antibes، لدرجة أنه يحظى بسمعة بين مسؤولي الكرة الفرنسية وأبرز نجومها. ورغم أنه ليس زيدان، لكنه يحضر ضمن 24 شخصية عالمية وضعوا بصمتهم على اللعبة، بجانب ألبير كامو وبوب ديلان، كونهما شخصيتين تركتا بصمتيهما على كرة القدم.
تمثل بطولة كأس العالم تجسيداً لفكرة أننا نتشارك كوكباً واحداً، هذه المرة كانت قطر وجهته ومركزه. وهذا ما يجعل كرة القدم أيضاً منجماً لصناعة أيقونات ورموز عالمية، بما في ذلك أولئك المشجعون الذين اعتادوا أن يحضروا في بطولات كأس العالم.
هيلي غاراغوزو
اللافت أن المشجع الأكثر حضوراً لبطولات كأس العالم لم يكن برازيلياً أو ألمانياً أو إيطالياً، ولا ينتمي إلى بلد لها حضور كثيف في المونديالات، إنما ينتمي إلى بلد هامشي في كرة القدم، وهو الفنزويلي هيلي غاراغوزو (Hely Garagozzo). ومع حضوره مونديال روسيا 2018، أصبح صاحب الرقم القياسي بحضوره 10 مونديالات متتالية، بداية من مونديال إسبانيا 1982. ولم يسعفه القدر لزيادة رقمه بحضور مونديال قطر، نتيجة وفاته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
وقال المشجع الفنزويلي، في تصريح له، إن الله والعائلة وكرة القدم وفرقة البيتلز هي أركانه. ورغم أن بلده فنزويلا لم تشارك إطلاقا في أي بطولة كأس عالم، لكنه لطالما لوح من مدرجات الملاعب بعلم بلده، وأصبح معروفا بين المشجعين حول العالم. امتلك غاراغوزو 500 قطعة من التذكارات وآلاف الكرات والتواقيع من أهم نجوم كرة القدم، وزار 65 مدينة وشاهد 56 منتخباً بين 77 منتخباً شاركت في كأس العالم، وشاهد 40 من أفضل مئة لاعب كرة قدم في التاريخ، وقطع ما يزيد عن 225 ألف كيلومتر، أي ما يعادل التجول حول العالم ثلاث مرات، كما أنه حقق 24 رقماً قياسياً في موسوعة غينيس من على المدرجات.
ولدى غاراغوزو سيرة تشجيعية نموذجية، متصلة بذلك الشغف في كرة القدم. وهو ما عبر عنه المشجع الفنزويلي بقوله إن كرة القدم علمته أن يكون مسؤولاً... أن يستمتع بالانتصارات، ويتصرف بنُبل عند الهزيمة.