تتشابك شوارع وحواري وأزقة منطقة الشمعة القديمة، الواقعة جنوب مدينة غزة، لتعكس عبر بنيانها الذي يرجع معظمه إلى العهد المملوكي، لوحات فنية متكاملة المشهد، ينبعث منها عبق القِدَم والتاريخ.
وتتميّز المنطقة القديمة، الواقعة في النصف الجنوبي من مدينة غزة القديمة، وشمال حي الزيتون، بميزة إضافية عن باقي مناطق المدينة، إذ تبدو للمارة فيها عراقة الماضي الواضحة على الجدران القديمة، والتي تعكس محطات تاريخية مرت فيها المنطقة، فيما تضم حواريها عددًا من الآثار الدينية الإسلامية والمسيحية البارزة. وتضم المنطقة الشهيرة باسم منطقة الشمعة العديد من الأعيان الأثرية، والتي ما زالت تحتفظ بقوامها وبنيانها الذي يعكس بمجمله جمال المعمار الهندسي العتيق، فيما تمكنت عوامل الزمن إلى جانب الحروب الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، علاوة على غياب الاهتمام بالأماكن التراثية والأثرية، من الإجهاز على نسبة كبيرة منها.
ويعكس البنيان القديم والشوارع العتيقة ملامح الماضي وذكريات الحضارات التي مرت في قطاع غزة، وعلى وجه التحديد مدينة غزة القديمة، والتي تعتبر من أقدم المُدن في العالم، إلى جانب أنها تمتلك مخزونًا كبيرًا من الأعيان والآثار القديمة، والتي تعود إلى العهدين المملوكي والأموي. ويتوسط المنطقة جامع الشمعة الأثري، والذي قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بتدميره خلال الحرب الثالثة على القطاع عام 2014، وأعيد ترميمه، وكذلك مسجد العجمي، ومسجد عثمان قشقار وهو مسجد أثري يعود بناؤه إلى ثمانية قرون.
فيما تضم من الناحية الشمالية مسجد كاتب ولاية والذي يعود بناؤه إلى القرن السابع الميلادي، وفق نقش على بلاطة رخامية وُضعت على البوابة، والذي تجاوره من الناحية الجنوبية كنيسة "بيرفوريوس" والتي تم بناؤها في القرن الخامس الميلادي، وفق كتابة على قطعة رخامية وضعت أعلى عتبة البوابة الرئيسية للكنيسة، وتضم كذلك مقبرة لأبناء العائلات المسيحية في المنطقة.
وتضم المنطقة كنيسة الروم الأرثوذكس، والتي تقع في حي الزيتون في مدينة غزة، ويعود تاريخ بناؤها إلى بداية القرن الخامس الميلادي. أما الأبنية الحالية فتعود إلى القرن الثاني عشر ميلادي، فيما تضم كذلك كنيسة دير اللاتين ومعبداً خاصاً للراهبات المسيحيات، يُطلق عليه اسم "الراهبات الوردية" و "دار السلام". وتحتضن المنطقة كذلك حمام السمرة الأثري، والذي يعتبر من أهم المعالم العمرانية العثمانية في قطاع غزة، وهو الحمام الوحيد المتبقي حتى الآن وقد تمت إعادة ترميمه في عام 1225م، وتجاوره العديد من المحال التجارية القديمة، والشوارع والممرات الضيقة، فيما تضم الزاوية الشمالية الغربية للحي المستشفى الأهلي العربي - أو المستشفى المعمداني كما يعرف بين السُكان - والتي تقدم الخدمات الصحية لجميع الفئات، وتضم الناحية الشرقية للمستشفى مدرسة الروم الأرثوذكس، وتفصل بينهما مقبرة خاصة بالمسيحيين.
وتتميّز منطقة الشمعة باحتضان عدد من الحارات، والتي تسمى وفق العائلات الموجودة فيها، ومن بينها "حارة الغلاييني"، "حارة المؤسسة"، "حارة الكنيسة"، وعدد من المناطق، ومنها منطقة البرهان، ومنطقة رأس الطالع، ومنطقة عسقولة. وتمتد الحدود الجنوبية لمنطقة الشمعة القديمة من محطة الشوا شرقًا حتى مقبرة الشيخ شعبان غربًا، والتي تصل إلى الناحية الشمالية، وتضم عددًا من البيوت القديمة، وصولًا إلى ميدان فلسطين (الساحة) مرورًا بشارع عُمر المُختار الذي يحد المنطقة من الناحية الشمالية، وصولًا إلى موقف الشجاعية شرقًا.
ويعتبر حي الزيتون الذي يحتضن في ناحيته الشمالية منطقة الشمعة من أكبر أحياء مدينة غزة من حيث المساحة، وثاني أكبرها من حيث أعداد السكان، وقد سُمي بهذا الاسم نسبة لزراعة أشجار الزيتون بأعداد كبيرة. وتعتبر منطقة غزة القديمة الجزء التجاري المُكمِل للحي، وتضم الناحية الجنوبية لهذا الحي مقبرة كان يطلق عليها قديمًا اسم "تربة الشهداء" فيما تتوسطها أعمدة رخامية قديمة، نُقِشت عليها أسماء عدد من الشهداء الذين استشهدوا في الحروب ضد الغزاة، وهم يدافعون عن مدينة غزة، ويُطلق على المنطقة الجنوبية في العديد من الأحيان حارة العواميد.