بينما تستخدم أموال دافعي الضرائب الأميركيين لتمويل الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، وتوفّر الولايات المتحدة السلاح والغذاء وغيرهما من "مقوّمات الصمود" للاحتلال الإسرائيلي، اقترح مجلس النواب الأميركي تخفيضات غير مسبوقة على ميزانية مكافحة مرض الإيدز لعام 2024.
منظمة مرضى الإيدز الأميركية
أمام هذا الاقتراح، أصدرت منظمة مرضى الإيدز الأميركية في نيويورك (ACT UP NY) بياناً أشارت فيه إلى توجه الكونغرس لتخفيض الدعم الموجه لمكافحة مرض الإيدز بما يقارب مليار دولار. ولقد كافحت المنظمة، وهي واحدة من أكثر الكيانات فعالية على الساحات الصحية والاجتماعية وحتى السياسية في الولايات المتحدة، منذ تأسيسها في تسعينيات القرن الماضي من أجل زيادة الميزانية الحكومية المخصصة لمكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة في الولايات المتحدة عبر التأثير على صُنّاع القرار، وكُللت معظم مطالباتها بالنجاح. هذا التقاطع بين النشاط الاجتماعي للمنظمة ومجريات السياسة الأميركية جعل منها أحد كيانات الضغط المهمة خلال العقود الماضية.
كان أول ظهور سياسي علني لهذه المنظمة أثناء غزو الولايات المتحدة للعراق، حين شارك أعضاؤها بقوة في الاحتجاجات التي نُظمت ضد هذا الغزو. وفي حادث شهير اقتحم ناشطو المنظمة وقتها صالة البث المباشر في قناة سي بي إس الأميركية على الهواء مباشرة وهم يهتفون "حاربوا الإيدز وليس العرب".
الرعاية الصحية والحرب
يؤكد أعضاء منظمة مرضى الإيدز دائماً التزامهم بإعطاء الأولوية للرعاية الصحية على حساب الحروب، كما يسعون لمناهضة التمييز والعنصرية بمختلف أشكالها في المجتمع الأميركي، بحسب النص التعريفي على موقع المنظمة. واتساقاً مع هذه الرؤية، كانت للمنظمة العديد من المواقف الحازمة ضد السياسات الأميركية خلال العقود الثلاثة الماضية. بين أبرز المواقف التي كان للمنظمة دور فاعل فيها رفضها استمرار العقوبات الأميركية على حكومة جنوب أفريقيا التي تولت الحكم في أعقاب نظام الفصل العنصري. وقد كان للمنظمة تأثير ملحوظ في إنهاء هذه العقوبات عبر الاحتجاجات والبيانات والوقفات التضامنية.
وفي خطوة تُذكر بهذا التاريخ السياسي، شارك أعضاء المنظمة أخيراً في العديد من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية تأكيداً لموقفهم الرافض لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وتأييد الدعوة إلى وقف إطلاق النار. لم تكتف المنظمة بهذه الوقفات والتظاهرات الاحتجاجية فقط، التي غالباً ما تتخذ طابعاً فنياً، بل أعلنت صراحة، في بيان منشور على موقعها الإلكتروني، تأييدها لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل. يسلط البيان الضوء على الأثر المدمر للعنف المستمر على المدنيين الفلسطينيين، خصوصاً في مجال الرعاية الصحية وما خلفه هذا العدوان من تدمير للمستشفيات والمرافق الصحية، إلى جانب الأزمة الإنسانية الأوسع نطاقاً، ما يرسم صورة قاتمة للوضع في غزة. وتشدد المنظمة في بيانها على الترابط بين الرعاية الصحية والأمن الغذائي، مؤكدة أن هذه حقوق إنسانية أساسية لا يمكن التغاضي عنها. وتأكيداً لهذا الدعم، غيرت المنظمة شعارها ليتخذ هيئة البطيخ كرمز للمقاومة الفلسطينية.
إضاءة على القطاع الصحي
يشير بيان المنظمة في جانب منه إلى التدهور المتسارع في كفاءة المستشفيات والبنية التحتية للرعاية الصحية في قطاع غزة وتأثيره المدمر على الصحة العامة هناك. ينبه البيان إلى أنه نتيجة لهذا التدهور تم رصد أكثر من 8000 حالة عدوى بالتهاب الكبد الوبائي، كما زادت عمليات الإجهاض بنسبة 300 بالمائة، إلى جانب تفشي أمراض أخرى مثل الكوليرا والإسهال والتهابات الجهاز التنفسي وسوء التغذية واضطرابات ما بعد الصدمة. يُذكّر البيان أيضاً بعمليات التهجير الممنهج، وبالمجاعة التي يتعرض لها سكان غزة، والتي وصفها مسؤولو الإغاثة في الأمم المتحدة بأنها من بين أعلى مستويات الأمن الغذائي المسجلة تدهوراً.
حددت المنظمة في بيانها ثلاثة مطالب رئيسية، هي: إنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات، والاعتراف بحقوق متساوية للمواطنين العرب الفلسطينيين في الأراضي الفلسطيني المحلتة، والاعتراف أيضاً بحقوق أكثر من سبعة ملايين لاجئ فلسطيني في العودة إلى ديارهم. وكان لافتاً دعم المنظمة الكامل لحركة المقاطعة الدولية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS)، وهي حركة فلسطينية المنشأ وذات امتداد عالمي. دعت المنظمة في بيانها إلى دعم حركة المقاطعة بالدعوة إلى مقاطعة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والمؤسسات الرياضية والثقافية والأكاديمية الإسرائيلية المتواطئة، والشركات الدولية المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني. يشير البيان صراحة إلى عدد محدود من الشركات والمنتجات التي تستفيد من التطهير العرقي للشعب الفلسطيني وتدعم إسرائيل. وقد أرفق البيان بقائمة بهذه الشركات والعلامات التجارية التي تدعو المنظمة إلى مقاطعتها.
وحثت المنظمة فروعها في مختلف الولايات، ومؤسسات الرعاية الصحية، والمنظمات المدافعة عن حقوق المثليين، على اتخاذ "موقف من أجل الوعي الإنساني، والدعوة إلى وقف إطلاق النار، ودعم المقاطعة، والبقاء ثابتين في معتقداتهم المتعلقة بالعدالة والمساواة والرفاهية لجميع الناس".