أحد أفضل القرارات الجدّية، القليلة جداً، لحسين فهمي، كرئيسٍ لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، يكمن في فرضه زيّاً "محترماً" على المدعوين/المدعوات إلى حفلتي افتتاح الدورة الـ43 وختامها (13 ـ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022). مفردة "محترم" مُسيئة جداً، كمفردات أخرى تُستَخدم في السينما المصرية تحديداً، أبرزها "نظيفة". لكنّ المقصود منها يتمثّل بحسم جدلٍ (إنْ تكن هناك إمكانية لحسمه أصلاً)، مُنبثقٍ من واقعٍ يتكرّر في هاتين الحفلتين، في مهرجاني القاهرة والجونة تحديداً. فغالبية المدعوات المصريات إليهما تُصرّ على تصاميم أزياء تُبرز مفاتِنَ، لن يكون معظمها جميلاً، بحسب المعايير الأساسية للجمال، على الأقلّ. تصاميم غير جميلة، كي لا تُستَخدَم تعابير أخرى، مثل بشعة أو قبيحة أو باهتة.
قرارٌ كهذا يتلاءم مع متطلّبات مهرجانات سينمائية دولية، مُصنّفة فئة أولى، على الأقلّ. الأناقة والوسامة والجمال ترتبط، في جانبٍ منها، بأزياء تُناسب جسد النجم/النجمة، وتليق بشكله وملامحه وتفاصيله الجسدية. براعةُ مصمّم الأزياء يكشفها صنيعه الفنّي لتوافقٍ مطلوب بين الجسد والزيّ، فيُصمّم ما يتلاءم والجسد، وهذا بحدّ ذاته فنٌّ وجمال وإبداع. مأزق فنانات مصريات عديدات كامنٌ في عدم إدراكهنّ أصول فنّ الأزياء وأنماطه المتنوّعة في ابتكار ما يليق بالجسد والشكل والتفاصيل، فتُصرّ غالبيتهنّ على تصاميم، تُظهر شيئاً من أجسادهنّ، من دون انتباهٍ إلى أنّ إظهار الجسد أو بعضه لن يكون، دائماً، جميلاً، ولن يُبرز، غالباً، مفاتن، ربما غير موجودة لديهنّ.
غير أنّ قراراً كهذا غير حاجبٍ فراغ التجديد في إدارة جديدة، يترأّسها حسين فهمي، بعد أعوامٍ مديدة على استقالته منها. تجربة إدارته "مهرجان القاهرة" (1998 ـ 2001) عاديةٌ للغاية، وغير صانعةٍ اختلافاً وتطوّراً يحتاج المهرجان إليهما، كبقية المهرجانات أيضاً. فهمي نفسه غير متجدّد في اشتغالاته السينمائية، التي يكاد اختيارُ أفضل ما فيها صعباً، إنْ لم يكن مستحيلاً. أدواره الأهمّ نادرةٌ، وحضورها غير مُنفلشٍ على جمهورٍ غير معنيّ بسينما مبتعدة عن التجاري والعادي والاستهلاكي. نظرته إلى السينما غير معروفٍ نصّها وأفكارها، باستثناء شعارات وكليشيهات تُقال عن أي فن أو موقف أو حالة. هذا إنْ تكن هناك نصوصٌ وأفكار. فالممثل مكتفٍ، كما يبدو، بوسامةٍ لا أكثر، وربما بكونه أكثر طواعيةً لسلطةٍ حاكمةٍ، تبغي أتباعاً يُنفّذون ما تريده، من دون اعتراضٍ أو نقاش.
أمير رمسيس (الإدارة الفنية) مختلفٌ. له تمرين سينمائي أساسي مع يوسف شاهين، يُضاف إليه وعي معرفي بالسينما وثقافتها وإنتاجاتها وطقوسها واشتغالاتها. له أفلامٌ متفاوتة المستويات، لكنّها نابعةٌ من شغفٍ بالفنّ السابع وصوره وعالمه. لكنّ الوظيفة، في نظامٍ حاكمٍ كذاك الذي يقوده عبد الفتاح السيسي باسم "الدولة العميقة والأعمق"، قيدٌ يحول دون تمكّنه من تجديدٍ أو تطوير أو بلورة.
مراجعة تاريخ المهرجان كفيلةٌ بتبيان ترهّله منذ سنين، باستثناء دوراتٍ قليلة، يصنع الناقد سمير فريد إحداها (دورة واحدة، 2014)، ويجهد المنتج محمد حفظي في ابتكار شيءٍ من التجديد والتطوير (4 دورات، 2018 ـ 2021). المراجعة نفسها تحتاج، بشدّة، إلى قراءات نقدية تأريخية تحليلية، فالمهرجان يُفترض به أنْ يكون وأن يبقى أساسيّاً في المشهدين السينمائيين المصري والعربي تحديداً، وتطوير أدواته واشتغالاته مطلبٌ دائمٌ.