"موعد مع الماضي"... لماذا توقّفت أسطوانة الغوص عن العمل؟

10 يناير 2025
المسلسل من بطولة آسر ياسين (نتفليكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسلسل "موعد مع الماضي" على نتفليكس يقدم دراما مثيرة تستكشف الانتقام والعدالة، مستوحى من "من قتل سارة؟"، مع تركيز على الثقافة المصرية والعربية، مما يجعله قصة فريدة تناسب الجمهور العربي.
- تبدأ القصة بحادثة غوص مأساوية في 2007 تؤدي لوفاة نادية، ويتحمل شقيقها يحيى مسؤولية الجريمة بدلاً من صديقها علي، ويسعى بعد 15 عامًا في السجن لكشف الحقيقة ومعاقبة المسؤولين، مما يكشف عن ديناميات اجتماعية معقدة.
- رغم معالجة قضايا اجتماعية مهمة، يعاني المسلسل من سرد مطول وحبكات فرعية، مع أداء مميز لآسر ياسين وتصوير سينمائي مثير، لكنه قد لا يلبي توقعات الباحثين عن تجديد في قصص الانتقام.

يقدّم المسلسل المصري الجديد "موعد مع الماضي" (يُعرض على نتفليكس) نفسه بوصفه عملاً درامياً مثيراً، يستكشف الحدود بين الانتقام والعدالة. ورغم اتباعه الصيغة المألوفة للدراما العائلية والألغاز الجنائية، تحاول المنصّة الحمراء استخدامه لإضفاء حيوية على نوع دراما الجريمة. يمكن لمتفرّج عربي اتهام المسلسل وصنّاعه بالكسل الإبداعي، كونهم استسهلوا استيراد نصّ وفورمات أجنبي لاستنساخه ونقله عربياً. بعبارة أخرى، هل نجح هذا الاقتباس في التقاط جوهر السرد المثير للتفكير؟ أم أنه ضاع في التكرار أثناء تنفيذه؟ وبافتراض نجاعة المسلسل العربي في تكرار نجاح مثيله الأجنبي، فهل هذا وحده كافٍ ويستحق العناء حقاً؟

في السنوات الأخيرة، اكتسبت إعادة إنتاج المسلسلات العالمية زخماً كبيراً في الأعمال التلفزيونية المصرية، و"موعد مع الماضي"، الذي يحمل توقيع المخرج السوري، السدير مسعود، أحدث هذه الإعادات/الاقتباسات. وفي حين أنه مستوحى من مسلسل الإثارة المكسيكي "من قتل سارة؟"، فالنسخة المصرية بعيدة عن كونها نسخة طبق الأصل. بدلاً من ذلك، تعيد تفسير القصة الأصلية من خلال عدسة يتردّد صداها بعمق مع الثقافة المصرية والعربية؛ من تطوير الشخصية إلى التركيز الموضوعي، في محاولة مزدوجة من المنصّة لتنويع عروضها، من ناحية، ولإثبات صنّاع المسلسل إيلاءهم الاهتمام للدراما الإنسانية والسياق الثقافي، من ناحية أخرى. يتخلّص المسلسل المصري من "إسرافات" المسلسل الأصلي، ليقدّم قصّة أكثر "نظافة" مصمّمة لتناسب حساسيات الجمهور العربي.

تبدأ الحبكة عام 2007، عندما تذهب مجموعة من الشباب في رحلة غوص تنتهي بمأساة: تموت نادية (هدى المفتي)، شقيقة يحيى (آسر ياسين)، بعد فشل أسطوانة الغوص الخاصة بها. تقع المسؤولية على يحيى، الذي أقنعته عائلة علي النافذة (صديق نادية) بتحمّل لوم الجناية للحفاظ على حياة ومستقبل ابنها، المفترض أنه المسؤول عن إعداد إسطوانات الغوص. لكن يتحوّل الاتفاق الذي نصّ على سنة واحدة فقط في السجن إلى حكم مدته 15 عاماً بسبب تلاعب والد علي، ياسين (محمود حميدة، في دور بطريرك عائلي شرير). بعد إطلاق سراح يحيى أخيراً من السجن، يصمّم على كشف الحقيقة وراء مقتل نادية ومعاقبة المسؤولين عن سجنه ظلماً. إلا أن سعيه إلى تحقيق العدالة يُخرج أسراراً مدفونة، ويعيد فتح جراح عائلية، ويكشف عن ديناميات قوة معقدة بين الطبقات الاجتماعية في مصر.

يطمح "موعد مع الماضي" إلى أن يكون دراما عميقة حول غياب المساواة الاجتماعية والعواقب المدمّرة لأسرار العائلة. وبالفعل، يملك سيناريو محمد المصري نوايا طيّبة في معالجة قضايا مثل الطبقية وإساءة استخدام السلطة، إلا أن تنفيذه قاصر، يمشي على سطرٍ ويترك آخر، متأرجحاً بين ميلودراما فاقعة و"تويستات" متوقعة. أكبر مشاكل المسلسل سرده المطوّل بلا داعٍ، والأغرب أن يأتي هذا في عملٍ لا تتعدّى مدته ثماني حلقات. في ثماني حلقات فقط، غالباً ما تتعثر القصة في حبكات فرعية غير ذات صلة لا تضيف عمقاً بل، بدلاً من هذا، تخفّف تأثيره العاطفي. تحاول الحلقة الأخيرة ربط النهايات العالقة باكتشافات صادمة، لكن ذلك يأتي متأخراً للغاية، حيث يكون المتفرّج مرهقاً أكثر من كونه مهتماً.

ورغم ذلك، تجدر الإشارة إلى أداء آسر ياسين لدور يحيى الباحث عن الانتقام. فقد عبّر أداؤه عن معاناة وإصرار رجل يسعى إلى خلاص وشفاء أخير. ورغم عدم اتساق التفاعل بين الشخصيات، فإنه ينجح في خلق لحظات لافتة من التوتّر والعاطفة. ولا يمكن قول الشيء نفسه عن آخرين من طاقم التمثيل، ممن يعوقهم غالباً الحوار الضعيف والإخراج المتأرجح بين المبالغة والكسل.

من الناحية البصرية، المسلسل مثير للإعجاب. فالتصوير السينمائي يخلق تباينات آخذة بين لحظات الماضي الدافئة والحاضر المظلم والمقفر. ويساعد التوجيه الفني والموسيقى التصويرية، بمزجها بين موسيقى الروك العالمية والتراكيب المشحونة، في بناء التوتّر اللازم للسرد. إلا أن بعض مشاهد الحركة تقترب من العبث، ما يقوّض الجدّية التي تحاول القصّة إرساءها.

سينما ودراما
التحديثات الحية

باختصار، "موعد مع الماضي" مسلسل ذو إمكانات مهدرة. فرغم افتتاحيته اللافتة وصوره المتقنة شكلياً، إلا أن السرد يتعثر في كليشيهات ومنعطفات كثيرة. إنه ليس أسوأ مثال على دراما الجريمة على "نتفليكس"، لكنه أيضاً بعيد كل البعد عن أن يكون عملاً لافتاً أو تُعاد مشاهدته. بالنسبة لمن يستمتعون بقصص الانتقام ولديهم الصبر لمواكبة الوتيرة غير المنتظمة، فقد تكون هذه تجربة مثيرة للاهتمام. لكن لأولئك الباحثين عن شيء جديد في هذا النوع، فقد يكون من الأفضل البحث في مكان آخر.

المساهمون