عرضت شبكة "نتفليكس"، أخيرًا، وثائقيًا عن الحرب العالمية الثانية بعنوان "الحرب العالميّة الثانية: درب النصر". الوثائقي يتألف من 10 حلقات، وكلّ حلقة تتألف من معركة أو حدث أو تحوُّل يعتبر مفصليًا وحاسمًا في تاريخ الحرب العالمية الثانيَّة، الحرب الأكبر في تاريخ البشريّة، والتي قتلت حوالي 15 في المائة من سكان الأرض آنذاك. الحرب بدأت عام 1939 مع دخول الجيش النازي إلى بولندا، وانتهت عام 1945 مع إلقاء القنبلتين الذريتين على اليابان.
لا شكَّ أن الوثائقي شيّق ومصنوع على الطريقة "النتفليكسيَّة" المعُتادة، من ناحية شدّ المشاهد، وخلق جو من الإثارة النفسيّة حول الأحداث. كما أنَّ المواد البصريَّة ذات قيمية تاريخيَّة عالية لأنها كلها حقيقيّة، وتم تلوينها باستخدام التكنولوجيا الحديثة. كلّ صورة أو مقطع فيديو تحمل وراءها عملاً صحافيًا شجاعاً، وتضحيّة بالنفس في سبيل توثيق هذه الفترة الحاسمة في تاريخ البشر السياسي. ولكن ثمّة نقطتان تكشفان ما يمكن أن يسمّى بـ "أمْرَكة" تاريخ الحرب وإعادة كتابة تاريخ ما حصل، اعتماداً فقط على الرواية الأميركيَّة المُعتادة.
مثلاً، عند الإشارة إلى "الجيش الأحمر" ومقاومته للجيش النازي، يقول الوثائقي إنّ النقطة الحاسمة التي أدت إلى هزيمة النازيّة وبدء تقدم "الجيش الأحمر" هي الدعم الذي قدمه الرئيس الأميركي روزفلت إلى ستالين من أجل تسريع الآلة الصناعية العسكريّة السوفييتيَّة. يظهر الوثائقي أنّه لولا الدعم الأميركي، لم يكن النصر السوفييتي ممكنًا، وهذا تدليس للتاريخ، وتخفيض من قيمة النضال السوفييتي الذاتي، والثورة الصناعية العامة التي أطلقها ستالين، والتي أعقبت عملية "بارباروسا" التي أطلقها الجيش النازي عند غزو الاتحاد السوفييتي في 22 يونيو/حزيران من عام 1941.
"الجيش الأحمر" لم ينتصر لأنّه "نال دعمًا من أميركا". أصلاً من الغريب ألّا تكون هنالك حلقة كاملة ومخصصة لمعركة ستالينغراد المشهورة، والتي قاوم فيها الشعب السوفييتي بكلّ قواه الذاتيّة لمدة أكثر من عام كامل الاحتلال النازي الشرس. النصر السوفييتي كان دفاعًا عن النفس لغزو لا يرحم، قتل حوالي 20 مليوناً من سكان الاتحاد السوفييتي، بل إنّ المؤرخين يعتبرون أنَّ نهاية النازية الفعليَّة هي الفشل في احتلال مدينة ستالينغراد في 2 فبراير/شباط عام 1943، وليس إنزال النورماندي الذي قام به الحلفاء في 6 يونيو/حزيران من عام 1944. لما حصل إنزال النورماندي، كان الجيش النازي المتكثّف شرقًا قد تعرّض لهزائم مروعة على يد "الجيش الأحمر" الذي استخدم كلّ المقدرات الذاتية والقوى الداخلية للشعوب السوفييتية آنذاك. تحويل نصر "الجيش الأحمر" إلى "خدمة أميركيَّة" هو تحريف متعمّد لمسار التاريخ.
وفي ذات السياق، يشير الوثائقي إلى أنّ استخدام القنبلة الذريَّة كان قرارًا من أجل إيقاف الحرب وإنقاذ الأرواح، بسبب النزعة الانتحارية، ومعاداة الاستسلام المترسخّة في ثقافة الشعب الياباني. طبعًا لا يمكن إنكار الخطاب الشهير لرئيس الوزراء الياباني آنذاك، والذي هدد أميركا بأنَّ اليابان ستكون مقبرة "لنا ولهم"، وفعلًا مشهد الطيارات اليابانية الانتحاريَّة وهي تفجّر نفسها بالسفن الحربية الأميركيَّة في بيرل هاربور، دلائل تاريخيّة على هذه النزعة الانتحاريَّة. لكن ثمَّة هدف آخر لاستخدام القنبلة النووية، وهو ترهيب الاتحاد السوفييتي الذي كان قد بدأ بغزو اليابان بدوره، ورسم عالم ما بعد النصر... عالم الحرب الباردة.