استمع إلى الملخص
- "لد" يستخدم التحريك لتصوير حياة تلامذة فلسطينيين ونقاشاتهم حول الهوية، بينما يعتمد "طنطورة" على مستندات وتسجيلات علمية لإثبات الحقائق.
- الفيلمان يشتركان في شهادات الشهود واعترافات المرتكبين، مما يعكس الألم والقهر الذي عاشه الفلسطينيون، مع تباين في الأسلوب السردي والفني.
يُذكِّر "لد" (2023)، للفلسطيني رامي يونس وسارة إمَا فريدلاند (مُقيمة في نيويورك)، بـ"طنطورة" (2022)، للإسرائيلي آلون شفارتس ("العربي الجديد"، 5 أغسطس/ آب 2022)، في مسألة أساسية: نبشٌ في التاريخ العام والذاكرة الفردية، لكشف فعلٍ جُرميّ للمحتلّ الإسرائيلي. في "طنطورة"، يبحث شفارتس في المجزرة المرتكبة في البلدة الفلسطينية، ليلة 22 ـ 23 مايو/ أيار 1948، أي قبل أسابيع قليلة على مجزرة أخرى تُرتكب بمُصلّين في جامع دهمش (اللد)، حاصلة في 11 يوليو/تموز من العام نفسه، والتي تُشكّل نواة "لد".
لكنّ "لد" غير مكتفٍ بالمذبحة وتفاصيلها ومرويّاتها، كما في "طنطورة"، المنشغل بالمجزرة، والمنطلق من أطروحةٍ جامعية لتيودرو "تيدي" كاتس في المسألة نفسها. فيونس وفريدلاند يستعيدان سيرة المدينة وانشغالاتها، وشخصيات فيها تُصبح واجهة حكايات وانعكاس سرديّاتها. أمّا راهنها فمُثير لقلق، لأنّ تلامذة فلسطينيين يناقشون الهوية والبلد ومعنى أنْ يكون المرء في مدينة كاللد، وفي نقاشهم شيءٌ من فرارٍ (أيكون غير واعٍ؟) من فلسطينية الفرد.
مشتركٌ مهمّ يجمع الفيلمين، أحدهما بالآخر: شهودٌ على المجزرتين، ومرتكبون يُنفّذون أوامر قيادات عليا، في الجيش والسياسة. شهودٌ يحملون جرحاً وقهراً وذكريات مريرة، ومرتكبون يروون الفعل كأنّهم منتهون من تنفيذه قبل ساعات، رغم أنّ قلّة منهم توحي كأنّ مرارةً فيهم إزاء فعلٍ، يُحيلونه دائماً إلى "تنفيذ أمر"، وبعضٌ آخر يُنكر معرفته بها، مع أنّه جنديٌ في كتيبة تُنفِّذ تلك الأوامر (طنطورة). والشهود، إذْ يبلغون أعماراً صغيرة عند الفعل الجُرميّ، يروون ألماً وقهراً وخوفاً، كأنّهم يعيشون اللحظة الآن هنا، فبعضهم يُجبَر على دفن الجثث في مقبرة جماعية، والبعض هذا غير متجاوز 4 ـ 5 أعوام حينها (لد).
في مقابل التزام آلون شفارتس مفردات كثيرة في صُنع فيلمٍ وثائقي، مُدعِّماً إياه بمستندات وتسجيلات ولقاءات وخرائط وبحث علمي لإثبات الحيّز الجغرافي للمقبرة الجماعية، يستعين "لد" بالتحريك، لصُنع مشاهد تتعلّق تحديداً بتلامذة المدرسة، وبساحة المدينة وتمثال الخضر والحكايات الشعبية المتوارثة. جمالية التحريك في إيجاد متنفّسٍ بين وقتٍ وآخر غير باهرةٍ، رغم إتقان صُنعه (التحريك)، رسماً وتصميماً وتنفيذاً. هذا غير حائل دون التنبّه أكثر إلى عنف المعيش عند الشهود، ووحشية المرتكبين، المغلّفة بمقولة "تنفيذ أوامر".
حصانة "طنطورة"، فنياً وسردياً، متمثّلة بكمٍّ من المعطيات العلمية والاعترافات المُسجّلة سابقاً على أشرطة كاسيت أو أمام الكاميرا (تصوير أور أزولاي وأفْنر شاحاف ويوناتان وايتزمان إلِيَّا ماغْنِس). أمّا حصانة "لد"، فمرتكزة على سرد روائي (ميساء عبد الهادي راويةٌ تمثّل اللد) يجمع بين استعادة المجزرة، وأحوال المدينة في التاريخ والحاضر، وعلاقة الأسطوريّ الدينيّ (مار جرجس ـ الخضر ابن امرأة من اللد) بحكاياتٍ شعبية.
ملاحظات كهذه منبثقةٌ من مشاهدة متأخّرة لـ"لد"، المستحقّ قراءة مستقلّة، لما فيه من تفاصيل ومرويات ومشهديات.