أثار مسلسل "مرحبا دولة" جدلاً واسعاً في لبنان بعد عرض حلقته الأولى، إذ "يتطرق، من خلال يوميات مجموعة من العناصر الأمنية في مخفر متخيل، إلى العلاقة الملتبسة بين المواطن والدولة، وذلك بقالب اجتماعي كوميدي".
وقد عرضت المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال (LBCI)، في 18 يناير/كانون الثاني الحالي، الحلقة الأولى من المسلسل الأسبوعي "مرحبا دولة"، وهو من إنتاج شركة شوت برودكشن، وتأليف وإخراج محمد دايخ.
فسارعت وزارة الداخلية اللبنانية، ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، برفع دعوى تطلب بموجبها وقف عرض المسلسل، وذلك احتجاجاً على ما وصفته بـ"استباحة الحرم الأخلاقية المناقبية، نتيجة الإساءة التي يقوم بها تجاه الدولة ومؤسساتها". وأصدرت قاضية الأمور المستعجلة في بيروت كارلا شواح قراراً بردّ الاستدعاء وحفظ الرسوم والنفقات كافة.
واعتبرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، في بيانٍ لها قبل يومين، أن "الحلقة الأولى من برنامج مرحبا دولة تضمّنت الكثير من التحقير والذم والإساءة للدولة اللبنانية، عبر تحقير علمها ونشيدها الوطني، وتوجيه الاساءات بأسلوب وضيع وسوقي بعيد عن الوطنية والأخلاق والمهنية، يتضمن حقداً وكراهية تجاه مؤسسة قوى الأمن الداخلي، وارتدى الممثلون بزات عسكرية بالإضافة إلى أسلحة ومعدات من دون ترخيص، وقدموا أدواراً في سيناريوهات وحوارات مبتذلة ومهينة".
ولفتت إلى أن "عناصر قوى الأمن الداخلي أحسّوا بإهانة شديدة، وأصبحوا يشعرون بالخجل أمام أولادهم وأهلهم، إذ وردت اتصالات إلى المديرية العامة من ضباط وعناصر في الخدمة الفعلية ومتقاعدين يلحّون علينا لإيقاف هذا البرنامج".
من جهة ثانية، قال الصحافي فراس حاطوم، صاحب شركة شوت برودكشن المنتجة للعمل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدعوى لا تزال تسلك مسارها القانوني القضائي، ونحن كشركة إنتاج مسؤوليتنا تصوير الحلقات وتسليمها للقناة التي تتخذ القرار بعرض العمل أو تعليقه، وقرارها حتى الآن الاستمرار في العرض، وقد عرضت فعلاً الحلقة الثانية رغم الدعوى".
واستغرب حاطوم "التصويب دائماً على الأعمال والبرامج التلفزيونية التي تحمل طابعاً انتقادياً للدولة والأجهزة الأمنية، بدل التوقف عندها ومحاولة تصحيح الشوائب التي يُضاء عليها، فنحن، سواء مواطنين أو صحافيين أو منتجين، نريد أن تكون قوى الأمن بأحسن صورة، ولا نعرض هذه الأعمال من بوابة الإهانة، كلنا لدينا أصدقاء وأقارب وجيران في المؤسسة الأمنية، وحتماً لا نسعى للإساءة إليهم".
وذكر حاطوم أن "المسلسل يضيء على العلاقة الملتبسة بين المواطن والدولة من خلال عناصر قوى الأمن، كما يتطرّق إلى معاناة العناصر الأمنيين". وأضاف: "الانتقاد أو الإضاءة على الشوائب ليس إلاّ طريقة لعرض الواقع، والناس على بيّنة تماماً منه، وذلك في محاولة لإصلاحه".
وتوقف حاطوم عند مسألة نيل الموافقة من قوى الأمن لعرض العمل، أو ارتداء البزة الأمنية، معتبراً هذه الخطوة غير منطقية، كما أنها تكون استنسابية، وسبق أن عُرضت أعمال عدّة لم تنل الموافقة، ولم يحصل أي اعتراض عليها، مشيراً إلى أنه "لا يمكن نيل موافقة من الجهة نفسها التي ننتقدها، أو نضيء على فسادٍ أو شوائب مرتبطة بها، فهذا يعني تلقائياً عدم قبولها بعرض البرنامج، أو عندها سيأخذ طابع المسايرة وتلميع الصورة، وبالتالي، هذه الصيغة لا تحمي حرية الرأي والفن والإبداع والانتقاد".
وأسف حاطوم "للمقاربة التي يجرى فيها التعاطي مع البرامج التي تضيء على ممارسات السلطة وأجهزتها في بلدٍ يتغنى بالحريات".
بدورها، رأت المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال، في بيان لها، أن "الحديث عن هيبة الدولة التي يدّعون أنها مُسّت من خلال برنامج كوميدي ساخر يهدف إلى إلهاء الناس عن المأساة التي يعيشونها، نتيجة غياب هذه الدولة نفسها... لأن الدولة هي من تركت أبناءها وإداراتها ومؤسساتها وأوصلتها إلى الواقع المزري الذي ترجمه البرنامج".
ووفقاً للقناة، فإن "المشكلة ليست في برنامج مرحبا دولة، إنّما في عقلية لا تريد إصلاح الدولة وشؤون الناس وترفض حتى إدخال البسمة إلى منازلهم".
من جهته، وضع تجمّع نقابة الصحافة البديلة الشكوى المقدّمة باسم الدولة اللبنانية لمنع عرض "مرحبا دولة" في إطار "الاعتداء الجديد على الحريات العامة، وضمن مسار التحوّل نحو دولة أمنية".
وأشار التجمّع إلى أن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي خالف بطلبه الدستور اللبناني الذي يكرس في مقدّمته حرية التعبير، وكذلك معاهدات حقوق الانسان الدولية التي انضم إليها لبنان.
كما طالب التجمع بضرورة "تعديل القوانين نحو تكريس أكبر لحرية التعبير ووقف تجريم قضايا القدح والذم والتشهير، بخاصة في ما يتعلق بالعاملين في الشأن العام".
وسبق أن تعرّضت القناة لهجوم واسع بسبب "مشهد ساخر للممثلين حسين قاووق ومحمد دايخ، ضمن برنامج "تعا قلو بيزعل"، من إنتاج الشركة نفسها. إذ اعتبره بعض الناشطين والمتابعين حينها بأنه "يمس بالطائفة الشيعية".
وبالتزامن مع هذه البلبلة، ألقيت قنبلة في اتجاه مبنى القناة، في منطقة أدما شمال بيروت، في يناير/كانون الثاني 2022، واقتصرت الأضرار على الماديات، بينما تعرّض المشاركون في العمل للتهديد والترهيب عبر منصات التواصل.
انضمّ الثنائي الكوميدي حسين قاووق ومحمد دايخ إلى المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال في فترة تحقيق البرامج الساخرة نسب مشاهدة عالية في لبنان، علماً أنهما دائماً ما يثيران الجدل بأعمالهما التي تتضمّن انتقاداً للأحزاب السياسية التقليدية في البلاد، والطبقة الحاكمة، ومؤسسات الدولة.