توفي رائد الفضاء السوفييتي فاليري بولياكوف، صاحب الرقم القياسي في أطول تحليق في المدار الخارجي للأرض، الاثنين، عن عمر 81 عاماً، وفق ما أعلنته وكالة الفضاء الروسية. ولم تحدد أسباب الوفاة.
بولياكوف، الطبيب والباحث، انتظر سنوات طويلة لتحقيق حلمه بالتحليق في الفضاء، بعدما سحره ــ كمعظم أبناء جيله في الاتحاد السوفييتي والعالم ــ التحليق الأول لرائد الفضاء يوري غاغارين حول الأرض. وفي حين حلق غاغارين حول الأرض لمدة 108 دقائق ولدورة واحدة، فقد قضى بولياكوف 678 يوماً و16 ساعة و40 دقيقة في رحلتين، منها 437 يوماً و18 ساعة في رحلة هي الأطول منذ تحليق الإنسان في الفضاء. ودار بولياكوف 7 آلاف مرة حول الكوكب الأزرق الذي عشقه، بمسافة تصل إلى 280 مليون كيلومتر.
ولد فاليري بولياكوف في27 إبريل/ نيسان من عام 1942 في مدينة تولا (جنوب موسكو) التي اشتهرت بصناعاتها الحربية. وربما شكلت رحلة غاغارين، عام 1961، نقطة انعطاف أساسية في حياة الطالب الذي كان في السنة الثانية في معهد الطب الثاني في موسكو (أكاديمية سيتشينوف للطب حالياً). تخرج منها عام 1965، وتابع دراسته في مجال الأوبئة وأمراض المناطق الحارة والطفيليات، وحاز شهادة اختصاص ومرشح دكتوراه. وعلى الرغم من عمله طبيب طوارئ، فإنه لم يتخل عن حلمه في التحليق في الفضاء. وعام 1970 أصبح باحثاً في معهد المشكلات الحيوية الطبية، إلى جوار عمله في قسم الإسعاف.
ومنذ عام 1972 خضع بولياكوف لتدريبات واختبارات من أجل التحليق في الفضاء كرائد فضاء/طبيب، على أمل تكرار تجربة الطبيب ورائد الفضاء بوريس إيغوروف، الذي كان ضمن طاقم مركبة "فوسخود 1" عام 1964.
ومع مواصلته البحوث العلمية، لم يتقاعس بولياكوف في المحافظة على حالته البدنية استعداداً للرحلة "الحلم" إلى الفضاء الخارجي، ولم يفقد الأمل، وانتظر أكثر من 16 عاماً حتى وقع الاختيار عليه، ليكون ضمن رحلة إلى المدار في 29 أغسطس/ آب 1988، كرائد فضاء باحث على متن المركبة الفضائية Soyuz TM-6، والمجمع المداري Mir، في رحلة استغرقت 240 يوماً و22 ساعة و34 دقيقة و47 ثانية.
وانتظر قرابة خمس سنين من أجل بدء الرحلة التي خلدته في التاريخ، فقد انطلق للمرة الثانية إلى الفضاء، في 8 يناير/ كانون الثاني 1994، وبقي هناك حتى 22 مارس/ آذار 1995، واستغرقت مهمته المدارية 437 يوماً و17 ساعة و58 دقيقة و17 ثانية. وهو الرقم القياسي للبقاء في الفضاء في رحلة واحدة. ولم يجرؤ أي من رواد الفضاء على البقاء طوال هذه المدة خارج الأرض. ومن اللافت أن بولياكوف استطاع النهوض لوحده، والوصول إلى الفرق الطبية التي كانت تنتظره على الأرض بعد عودته من الفضاء، من دون أن يعاني أي مشاكل.
وفي لقاءات صحافية، قال بولياكوف إن هدفه الرئيسي، كطبيب، كان إثبات أن الإنسان يستطيع التحليق طويلاً في ظروف انعدام الوزن في حال حصوله على الدعم الطبي الكافي والتدريب البدني المناسب.
وأجرى بولياكوف، في رحلتيه الفضائيتين، مئات الدراسات والتجارب الطبية، ومن ضمنها برنامج المراقبة والمراقبة الطبية، وكذلك التجارب الطبية الحيوية العلمية. وأعد دراسات على القلب والأوعية الدموية، والجهاز التنفسي، والجهاز الهضمي، والجهاز المناعي، وأمراض الدم والكيمياء الحيوية، وغيرها. كما أجرى تجارب فريدة عن الحالة البدنية لأفراد الطاقم، لتحديد درجة تأثير بيئة الفضاء على الأعضاء الداخلية وجمعها ضمن بيانات.
ولم يكن بولياكوف من الشخصيات التي تحب الظهور الإعلامي، أو استغلال عمله في الفضاء في مجال السياسة، كما فعل كثير من رواد الفضاء، ومنهم رائدة الفضاء السوفييتية الأولى فالنتيا تيراشكوف. حافظ على عمله في مجال البحوث بعد تقاعده من مهمة رائد فضاء في 1995. وأعد قرابة 50 بحثاً علمياً عن الطب وتأثيرات العيش في ظروف الفضاء الخارجي على عمل الأجهزة والأعضاء والأوضاع النفسية. وعام 2000، دافع عن رسالة دكتوراه في الطب، وحاز على لقب بروفيسور.
عام 2018، نقلت صحيفة "فيجيرنايا سانت بطرسبرغ" عن رئيس قسم طب الطيران والفضاء في الأكاديمية الطبية العسكرية، أندريه بلاغينين، أن بولياكوف أكد استعداده للانطلاق في رحلة إلى المريخ، رغم عدم وجود تقنيات كافية لضمان عودة المركبة الفضائية من هذه الرحلة.
وفي إطلالاته الإعلامية النادرة، أكد بولياكوف أن عشقه للفضاء والتحليق خارج الأرض بدأ في 1961. وقال في مقابلة مع "برافدا رو"، في 12 إبريل/ نيسان عام 2007، بمناسبة يوم الفضاء الموافق ذكرى تحليق غاغارين: "في سنة الرحلة التاريخية ليوري غاغارين كنت في معهد الطب، ولم أفكر مطلقاً في مسافات الفضاء الغامضة، وكنت أركز على أمراض الطفيليات والأوبئة في المناطق المدارية. وحين بدأت العمل في وزارة الصحة السوفييتية في 1970، تعرفت على أنشطة معهد المشكلات الطبية الحيوية، وراودني حلم التعرف أكثر على الفضاء (...) الفضاء بالنسبة لي ليس غاية في حدّ ذاته، بل هو سبب لإعادة النظر في العديد من المشاكل الطبية الأرضية".
وأشار إلى أن أهم استخلاصاته العلمية تكمن في أنه لا تحصل أي تغييرات فيزيولوجية غير معكوسة أثناء الحياة في الفضاء، لكنه استدرك بأنه "ليس لدى طب الفضاء حتى الآن بيانات محددة عن وقت التكيف الكامل في ظروف الطيران في الفضاء، حول التوازن الكامل للكائن الحي والبيئة أثناء الرحلة. لم يتم تحديد بعض العمليات التي تحدث على المستويات الجزيئية والخلوية بشكل كامل".
وعن الوقت الذي أمضاه بولياكوف في دورانه حول الأرض، قال إنه على الرغم من أوقات الفراغ القليلة فإنه قرأ روايات وقصصاً عدة. وأشار إلى أنه بعد رؤية سفن محترقة في مياه الخليج العربي، في رحلته الأولى، وصل إلى استنتاج أن الأرض "صغيرة جداً وهشة".