تحتفل وكالة الأنباء الرسمية "وكالة تونس إفريقيا للأنباء" (وات) هذا العام بالذكرى الستين لإطلاقها (يناير/كانون الثاني 1961). لكنّ هذه الذكرى تزامنت مع أحداث لم تعرفها الوكالة طيلة تاريخها الممتد منذ دولة الاستقلال إلى حدّ الآن حيث كانت تعد المصدر الرسمي والوحيد للأخبار في تونس. إذ يرى المتابعون للشأن الإعلامي في البلاد، أنّ تاريخ (ومستقبل) الإعلام التونسي تغيّر بعد ما حصل في "وكالة تونس إفريقيا للأنباء"، لأنّ أي حكومة ستجد نفسها أمام امتحان صعب كلما أرادت تغيير المسؤولين الأول في المؤسسات الإعلامية التي تعود لها.
فقد شهدت الوكالة، يوم الخامس من إبريل/نيسان حدثاً صادماً للعاملين فيها، بعدما قرر رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي إعفاء المديرة العامة الحالية للوكالة منى مطيبع وتعيين الإعلامي كمال بن يونس مديراً عاماً لها. قرارٌ لم يلقَ القبول لدى العاملين في الوكالة منذ إعلانه، إذ اعتبروا تعيين بن يونس تعييناً سياسياً مُسقطاً، ومحاولةً لسيطرة حزب سياسي داعم للحكومة على خط التحرير في "وات"، متهمين بن يونس بأنه قريب من حزب "حركة النهضة"، وهو ما يقوله في حديث لـ"العربي الجديد"، الإعلامي كمال الجواني، أحد العاملين في الوكالة والناشطين البارزين في الاعتصام الذي عرفته الوكالة. في المقابل ينفي كمال بن يونس تهمة الانحياز الحزبي لطرف سياسي معين، مؤكدًا لـ"العربي الجديد" أنّ رغبته الحقيقية في قبول هذه المهمة كانت تتمثل في العمل على إصلاح الوكالة ودعم نشاطها وإشعاعها بتوظيف الخبرات المهنية التي اكتسبها في العمل ضمن العديد من المؤسسات الإعلامية التونسية والدولية.
النقابات الإعلامية التونسية المتمثلة في "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين" و"النقابة العامة للإعلام" (المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل) ساندا اعتصام العاملين في الوكالة، معتبرين أن مطالبهم مشروعة، رافضين التعيينات الحزبية المسقطة التي "تنمّ عن رغبة في تغيير خط التحرير المستقل للوكالة". وهي تهمة نفاها رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي الذي بيّن أنه "من حق الحكومة تعيين مدير عام للوكالة للتسيير الإداري والمالي، أما خط التحرير فهو من اختصاص الصحافيين الذين يحددونه بكل استقلالية ومهنية". وهي حجة ردّ عليها المعتصمون بأن كلام رئيس الحكومة مردود عليه باعتبار أن التسيير الإداري والمالي يستدعي تعيين متصرف إداري ومالي، ولا يتطلب تعيين وجهٍ إعلاميّ تونسيّ معروف، لا يمكنه بأي حال من الأحوال عدم التدخل في الخط التحريري للمؤسسة.
تواصل الاعتصام إلى حدود يوم 13 إبريل/نيسان الذي كان يوماً فارقاً في تاريخ الوكالة والإعلام التونسي، حيث قامت قوات الشرطة التونسية، لأول مرة في التاريخ، باقتحام مقر الوكالة بالعنف، من أجل تنصيب المدير العام الجديد بالقوة، لكنّها فشلت في ذلك. وتسبّب هذا التصرّف بصدور قرار من النقابات بمقاطعة التغطية الإعلامية لكل النشاطات الرسمية للحكومة وفي تأجيج كل قوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية ضد الحكومة، حيث تتالت البيانات المساندة للعاملين في وكالة "تونس إفريقيا للأنباء" من المنظمات الدولية مثل الاتحاد الدولي للصحافيين (الفيج) والمنظمات والأحزاب التونسية الذين اعتبروا ما قامت به الحكومة اعتداءً غير مقبولٍ، بل مرفوضا ومدانا، مطالبين الحكومة التونسية بالاعتذارعما فعلت.
هنا وجدت الحكومة التونسية نفسها في مأزق كبير أمام تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، ليقرر رئيس الحكومة التونسية بعد يومٍ من محاولة اقتحام الوكالة تعيين مستشار إعلاميّ جديد له هو مفدي المسدي الذي سبق له العمل مع رئيسي حكومة سابقين في تونس هما مهدي جمعة ويوسف الشاهد. وكان من ضمن أولويات المسدي البحث عن حلّ سريع لما يحصل فى واحدة من أكبر المؤسسات الإعلامية التونسية التي تشغل أكثر من 300 عامل. مهمة المستشار الإعلامي الجديد بدأت منذ تعيينه حيث تواصل مع كل الأطراف الفاعلة في المشهد الإعلامي التونسي الذين تجمعهم به علاقات جيدة وتوصلوا إلى مخرج وحيد للأزمة القائمة، تم إعلانه يوم 19 إبريل/ نيسان الماضي، حيث قرر المدير العام المعين من قبل الحكومة التونسية كمال بن يونس الاستقالة من المنصب الذي كلّف به ليعود الهدوء من جديد إلى الوكالة ويتقرر رفع الاعتصام فيها.