يمكن القول إن يوسف شاهين (1926 ــ 2008) أكثر سينمائي مصري سُلط مقص الرقيب على أعماله، إن كان في فيلم "العصفور" الذي أُجل عرضه سنوات، أو "المهاجر" الذي وصل إلى القضاء، أو "القاهرة منورة بأهلها" الذي وصل الخلاف بشأنه إلى تلاسن وشتائم.
في فيلم "العصفور" الذي أنتجته "مؤسسة السينما المصرية" بعد نكسة 1967، قدّم شاهين تحليلاً لأسبابها، وأبرز تناقض السلطة وأبواقها الإعلامية بين ما حدث من هزيمة مريرة على أرض المعركة وما أذاعه أحمد سعيد عبر إذاعة "صوت العرب".
تطرق الفيلم أيضاً إلى خطاب التنحي الذي قدمه الرئيس حينها جمال عبد الناصر (1918 ــ 1970) ونزول حشود المصريين إلى الشوارع، رافضين قراره هذا، ومرددين شعار "حنحارب... حنحارب".
وأظهر الفيلم أنها كانت حشوداً شعبية حقيقية، وليست حشود "الاتحاد الاشتراكي العربي" ولا "التنظيم الطليعي"، أدوات السلطة حينها في السيطرة على حركة الجماهير. وحضر صوت الشيخ إمام وكلمات أحمد فؤاد نجم، رغم أن النظام القائم حينها كان يصفهما بالشيوعيَين الخطرين على أمن وسلامة البلاد.
ونتيجة لهذه "التجاوزات" كلها، من وجهة نظر السلطة، تأجل عرض الفيلم إلى عام 1974، أي بعد "انتصار أكتوبر المجيد".
أما فيلم المهاجر (1994) فأقام الدنيا ولم يقعدها، بسبب تجسيد شخصية النبي يوسف وامرأة العزيز. تعرض الفيلم لحملة ضارية كادت أن تؤدي إلى منعه بالكامل، ووصل الأمر إلى رفع دعوى قضائية ضد يوسف شاهين كادت أن تتسبب بسجنه.
وخاض شاهين والقوى العلمانية المصرية حربا ضروسا أمام جحافل القوى الظالمة وموظفي السلطة، انتهت بانتصار الفن وقوى التنوير.
وفي فيلمه القصير "القاهرة منورة بأهلها" (1991) قدم شاهين قراءة سياسية واجتماعية قاسية وصادمة لما آل إليه حال المجتمع المصري من تناقضات وفساد وانهيار ينذر بعواقب وخيمة، وهذا ما حدث بعد سنوات.
عرض شاهين الفيلم في "مهرجان كانّ السينمائي الدولي"، حيث اشتبك معه نفر من المصريين كان في مقدمتهم الكاتب الكبير وحيد حامد (1944 ــ 2021) بالسباب والشتائم، وكاد الأمر أن يصل إلى حد تشابك بالأيدي.
وعجت الصحف الحكومية المصرية بعناوين الإدانة لشاهين، بدعوى "نشر غسيلنا الوسخ في الخارج". وكتب الصحافي الراحل أحمد صالح مقالة عنوانها "إذا كانت مصر لا تعجبك فلم لا ترحل عنها يا أستاذ يوسف؟".
وكان رد شاهين أنه لا يقدم فيلماً سياحياً، إنما هو فن قائم على الفكر لا الإعلام. وقد أقنع حينها مستشار الرئيس المخلوع حسني مبارك (1928 ــ 2020) للشؤن السياسية، أسامه الباز الذي أجاز عرض الفيلم من منطلق حرية الإبداع ونقد الذات.