Hacney Dimonds هو عنوان الألبوم الذي صدر منذ أيام، لفرقة الهارد روك الإنكليزية، "ذا رولينغ ستونز" (The Rolling Stones)، وهو لها الأول منذ رحيل عمادها لأكثر من نصف قرن، عازف الدرامز تشارلي واتس (1941-2021).
بعيداً عن فرط النشاط، وحب الأضواء والنزعة الاستعراضية التي عُرفِت عن المُغنّي ميك جاغر، وسائر الصف الأول في الفرقة، ظلّ واتس متواضعاً؛ إذ اكتفى بالتركيز على دوره الموسيقي ضمن فريقه. بعد رحيله، بدا كما لو أن فريقه قد حرص على أن يكون واتس الغائب الحاضر في الألبوم الجديد، من خلال بضع أغانٍ سبق له أن شارك في تسجيلها.
بحكم مكانتهم ضمن الكبار في عالم الموسيقى الترفيهية، دعا الفريق أيضاً كوكبة مجايلين من النجوم الكبار، فيشاركونهم في بضع أغانٍ. في التراك الحادي عشر، المعنون Live by The Sord، يتسنى التقاط أكوردات البلوز المتواترة والمرتدة، تُسمع على طول الأغنية بتوقيع المخضرم إلتون جون. يطرق بكلتا يديه مفاتيح آلة البيانو على شكل فواصل ثُمانيّة (أوكتاف)، أي حين يُعزف كل من القرار والجواب في آن واحد، فيعلو صوتها ليشُق له طريقاً بين ضوضاء بقية الآلات.
كذلك يحلّ بول مكارتني، عضو فريق "ذا بيتلز"، ضيف شرفٍ على التراك الرابع المعنون Bite My Head Off؛ إذ يضرب بريشته منفرداً أوتار غيتار الباص الكهربائي الأربعة المعدنية الغليظة، الموصولة بدواسة التشويش (Destortion)، ضمن حوارية ارتجالية ساخنة وصاخبة مع كيث ريتشاردز، عازف غيتار الفرقة، ليُسمع التراك كأغنية رولينغ - ستونيّة نمطية، تعود بالذاكرة السمعية إلى هدير الهارد روك، والهرج والمرج السمعي المُنفلت عبر مكبّرات الصوت العملاقة، تُهيّج الأبدان على وقع الطبول وشوش الوتريات الكهربائية.
أما الحلاوة الشاعرية التي تعبق بها الأغنية قبل الأخيرة، Sweet Sounds of Heavan، فهي من إسهام موسيقي السول والآر أند بي الفريد، ستيف وندر. من دون حضور وندر، لم يكن من المتاح لفريق الهارد روك أن يُطعّم لونه الموسيقي الصاخب بنكهة الغوسبل (Gospel) أي تراتيل الكنيسة الأفروأميركية المستوحاة من البلوز والجاز، الذي وهب الأغنية ذلك الأثر الوَجْدي، ولا سيما بمشاركة الأصوات الغنائية النسائية، سواء أكانت منفردة أم مجتمعة ضمن كورس مساند.
الأغنية الأولى، فاتحة الألبوم، عنونتها الفرقة بـAngry، أي غاضب. على النقيض من التسمية، تتميّز بخفة وأثر بادٍ من بهجة، نتيجة الوصلات الارتجالية المطولة ذات الطبيعة اللحنية من الغيتار والجوقة الرجالية المساندة في الخلفية. فيما تزور الفرقة من خلال خاتمة الألبوم، تحت عنوان Rolling Stones Blues الجذور العميقة الموروثة للبلوز، وذلك عبر صوت الغيتار الأكوستي، يُضرَب بريشة، يضبط الإيقاع الثنائي للبلوز التقليدي، يرافق الغناء، تُشاركه آلة الهارمونيكا النفخية المعدنية، على نحو يذكر بموسيقى المدن الأميركية الجنوبية على ضفاف الميسيسيبي وخليج المكسيك كنيو أورلينز.
سواء أكانت فولكلورية البلوز، صخب الوتريات الكهربائية الموصولة بمكبرات الصوت العملاقة، أو حيوية إيقاعات الطبول والصنوج، جميعها مؤثرات شكّلت صدى الجماليات العصرية، المتزامنة مع تمكّن الليبرالية الرأسمالية الاستهلاكية في المجتمعات الغربية لما بعد الحربين العالميتين، الدائرة بمدار الثقافة الأميركية المتماهية أصلاً مع كل ما هو ضخم، زائد ومفرط، بما فيه نمط الحياة الهيدونية وإدمان العقاقير المكيّفة للنفس والعقل.
روحٌ كانت قد بشّرت بها وسوّقت لها فرقٌ موسيقية أيقونية، مثل Steppenwolf وThe Stooges، و"ذا رولينغ ستونز" أيضاً. إذ ظلّت تعتمد حتى نهاية القرن الماضي، على تكبير الصوت وتضخيمه، فيما تُؤدى الموسيقى بصورة حية، وتُنتَج باعتماد وسائل تسجيل توافرت حينها، تُستخدم لأجلها أشرطة مغناطيسية، فتُطبع على أسطوانات وأشرطة كاسيت.
أما اليوم، فأخذاً بعين الاعتبار كلاً من فرط النشاط والنزعة الاستعراضية التي تميّزت بها "ذا رولينغ ستونز"، والهوية التي مثّلت بها روح عصرها إبان السبعينيات، بشكل فني يعكس وسائل إنتاج موسيقي ما قبل رقمية، ومضمون ثقافي قائم على استهلاك كل شيء بما فيه الأذنين، لا يمكن التكهّن بالأسباب التي حدت فرقة تربّعت على عرش الروك لعقود، أن تُنتج ألبوماً جديداً بنكهة القديم، على أعتاب عصرٍ مغاير، له جمهور بذائقة مختلفة وفلسفة جديدة إزاء الحياة. أهو يا ترى محض الشغف بالموسيقى، الشوق الوجودي إلى المسرح والنظر إلى ممارسة التلحين والعزف والغناء على أنها بحد ذاتها غايات لا يمكن لأعضاء الفريق، مهما شاخوا وشابوا، تصور حياتهم من دونها، أم أنه مجرّد هاجس المال لديهم وجني العوائد عندهم وعند مُديريهم ومسوّقيهم.
أم هي يا ترى، محاولة المدّ من عمر الفرقة، من طريق الاستفادة من آثار باقية لحقبة ماضية، عند شرائح من المجتمع الأميركي الأبيض تحديداً، وفي الولايات الغربية على وجه الخصوص، ممن يهوون ترويض خيول الروديو وسباقات السيارات، ويترقبون موسم كرة القدم الأميركية (Super Bowl) الذي يبدأ في شهر فبراير/شباط من كل عام. ولِمَ لا؟ قد تكون كلّ تلك الأسباب مجتمعة.
في نهاية المطاف، ثمة حقيقة ماثلة في أن زمن "ذا رولينغ ستونز" قد ولّى، وأن عزمَ الفرقة طرح باقة من أغانٍ لها على أعتاب العشرية الثالثة من الألفية الثالثة، لن يلقى صدى سوى لدى من قضى صباه في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، أو كانت لديه شخصياً ميول رجعية (Retro) لكي يحبَّ موسيقى قديمة، آلت كلاسيكية، ولم تعد بالضرورة معاصرة، لا بالشكل ولا المضمون.
لذلك العزم، ولتلك الغاية، كان في وسع الرولينغ ستونز، بحكم المنزلة والمكانة، تكليف أحد أشهر منتجي البوب من الشباب، الأميركي آندرو وات، ابن الثالثة والثلاثين عاماً، علّه يكون صلة الوصل الجيليّة، التي قد تشد إلى موسيقاهم أعرض شريحة ممكنة من المستمعين.